فعُمِّرت، وزُرعت البلاد، وأمنت السُّبل، ودرَّت القوافل، وبعث إلى القدس فحاصره وبه أصحاب أتْسز، وكان قريبٌ له في برج داود، ومعه قطعة من أمواله، وكان بين قتل أتْسِز وما فعله بالقدس مدة يسيرة.
وفي رجب وصل السلطان ملك شاه إلى الأهواز متصيدًا، وقبض على ابنِ عَلَّان اليهودي ضامنِ البصرة وقتلَه، وأخذ منه أربع مئة ألف دينار، وكان منتميًا إلى نظام الملك، وكان بين يدي نظام الملك وسعد الدولة الكوهراني وخُمارتكِين الشرابي عداوةٌ، فتوصَّلا في هلاك ابن عَلَّان، وكان ابن عَلَّان قد استولى على البصرة، وماتت زوجتُه، فمشى في جنازتها كلُّ مَنْ فيها إلَّا القاضي، وكانت أسامي الأماكن التي فيها أمواله معه مكتوبة، فلمَّا أمر ملك شاه بتغريقه غرقَتْ معه، ومع هذا فوجدوا له أموالًا عظيمةً، وكان نظام الملك باصبهان، فغضب وأغلق بابه ثلاثة أيام، فقيل له: المصلحة الرجوع. فرجع، ولمَّا عاد السلطان إلى أصبهان دعاه نظام الملك إلى دعوة خسر فيها جملة، ثم عاتبه عتابًا كان من جوابه ما طيَّبَ به نفسه وإن لم يَرْضَ.
وفي ذي القعدة ورد خطلج أدراز من أصبهان، واجتمع إليه الحاجُّ، وخرج بهم على القاعدة في أكريتهم وخفارتهم.
وفي ذي الحجة توفِّي نصر بن مروان الكردي صاحب آمِد وميَّافارقين، وجلس ولدُه منصور بن نصر موضِعَه، والناظرُ في أموره ابنُ الأنباري من أهل الرحبة.
وفيه فتح مسلم بن قريش حلب.
ذكر القصة:
لمَّا اشتدَّ بأهلها الحصار والغلاء هَجَّ معظمُهم، وجاءت طائفة منهم إلى الموصل، واجتمعوا بمسلم، وأشاروا عليه بقصدها، وكاتبه الأحداث وبنو كلاب ليدفع عنهم الغُزَّ، فأنفذ ولده من خاتون عمة السلطان ملك شاه إليه، وشرط على نفسه في كلِّ سنة ثلاثَ مئة ألف دينار، وللسلطان، فأجابه، وأمره بقَصْدها، فسار إلى قلعة جَعْبَر وحصرها، وكان بها جَعْبر وأصحابُه يقطعون الطرق، فصالحوه على أنهم لا يعودون إلى شيء من ذلك، وسار إلى حلب، فوصلها ثاني عشر ذي الحجة، ومعه بنو كلاب وكلب ونمير وجميع القبائل، وقد أطاعوه خوفًا من الغُزِّ، وأنفق فيهم الأموال، فكسر