الأحداثُ الأبوابَ يوم الجمعة لعشرٍ بقين من ذي الحجَّة، ودخل أصحابُه إليها، ولم يتأذَّ أحدٌ من أهلها، ولا أغلق فيها دُكَّانًا، وراسل سابق بن محمود وهو في القلعة، مراسلة، انتهت إلى أن يزوِّجه سابقٌ بابنته ويعوِّضه مالًا على أن يُسلِّم القلعة، فرضي، وحطَّ سابقٌ رَحْلَه وماله إلى البلد، ولم يبقَ إلا أن ينزل، فوثب عليه أخواه ووثَّاب فقبضا عليه، واستوليا على القلعة، فجمع مسلم مُقدَّمي بني كلاب، وقال: قد علمتم أني أنفقتُ أموالي، وبعدتُ عن بلادي في حراسة بلدكم وأموالكم وكفَّ عادية الغُزِّ عنكم، وهذه مقابلةٌ ما أعرفها، فإن كنتم رجعتم فها أنا أرجع إلى بلادي ومسيري منكم. فأنكروا ما جرى، وشرطوا السعيَ فيه، وإزالةَ ما تجدَّد منه.
قال المصنف ﵀: وقفت على تاريخ لدمشق فيه: أن تُتُش لمَّا رحل عن حلب في السنة الماضية وقد ضعُفَ عسكره جاء إلى حماة فاستولى عليها وعلى القلعة التي للمعرة وما يليها، وأطاعه صاحب حمص، فأقرَّه عليها، فلمَّا دخلت هذه السنة بعث بدر الجِمالي بالعساكر مع يُمن الخادم بحصار دمشق، فأرسل أتْسِز إلى تُتُش يقول: أنجِدْني وأكونُ نائبك بدمشق. فجاء تُتُش إلى دمشق، وعاد العسكر المصريُّ إلى مصر، وقبض تُتُش على أتْسِز وخنقه، فكانت أيامُه ثلاثَ سنين وستةَ أشهر وأيامًا، ولمَّا استقامت دمشق لتُتُش حشد ليقصد حلبَ، وعَلِمَ سابقٌ، فراسل مسلمًا يستصرخه وقال: أنت أولى بي من الغير، والعربية تجمعنا، وكتب: فإن كنتُ مأكولًا فكُنْ أنت آكلي. فسار إليه مسلم بخيله ورَجِلهِ، فلم يفتح له الباب، ولم يَفِ له بشيء، وكان وعَدَه أن يُعطيه حماة والمعرة وكفر طاب ويقنع سابق بقصبة حلب، وكان أصحاب مسلم قد أسروا الشريف أحمد بن علي الهاشمي رئيس حلب، فاتَّفق مسلم معه سرًّا وأطلقه، فدخل البلد ومسلمٌ مُخيِّمٌ بظاهره، ففتح له الشريفُ الباب، فدخل، وتحصَّن سابق وإخوته بالقلعة، فحصرهم، ثم تقرَّر الصلحُ على مال وقلاع، وسلَّم إليه القلعة، ونزل منها هو وأهله، وانتهت دولة بني الزَّوقلية، وخطب بها مسلم للخليفة ولملك شاه، وكتب إلى الخليفة، فبعث بعهده إليه وتقليده إياها، وفي ذلك يقول ابن حيُّوس يمدح مسلم بن قريش:[من الكامل]
ما أدركَ الطَّلِباتِ غيرُ مُصمِّمِ … إن أقدمَتْ أعداؤهُ لم يُحْجِمِ