بما نطقَ به الكتابُ القديم: ﴿وَفَدَينَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]، ثم ظهر لموسى منها ما بطن، ففوَّض إلى هارون منها أوفى السنن، ثم ظهرت في المسيح الأمين، المبشِّرِ بسيد المرسلين. وذكر كلامًا طويلًا، وتقليده الموافقين له على ذلك الأمر، وذكر أساميهم وأنسابهم وما يتعلَّق بهم في مقدار كُرَّاسَين، فأفتى الفقهاء باستئصالهم، وإلزامهم الرجوع عن ضلالهم، وكفِّهم عن الفساد، وإطغاء العباد، فنُهِبت دورُهم، وحلَّ بهم هلاكُهم وثبورُهم، وكان وافقهم على مثل هذا نيِّفٌ ومئةٌ من الأشراف والأعيان، وزعماء البلدان.
وفيها ملك جلال الملك أبو الحسن بن عمار قاضي طرابلس حصن جبلة، وسببه أن الفردوس صاحب أنطاكية وجبلة قبض على قاضي جبلة، فراسله ابنُ عمار فيه، فأفرج عنه، وأنفذه إليه، فسأل فيه أن يردَّه إلى قضاء جبلة، ففعل، وتحدَّث معه ابنُ عمار في تسليم جبلة، فقال: نعم، ومضى ودبر الحيلة إلى أن تمَّت، فأرسل إلى ابن عمار يقول: ابعَثْ أصحابك في البحر في الليلة الفلانية، فبعث إليه ابن عمار بغلام يلقَّب بعين الزمان، في ثلاث مئة رجل من التركمان، كانوا حصلوا في جند طرابلس وجماعة من البحرانية، فجاؤوا في الليلة التي سمَّاها، فاحتال القاضي على الحرس حتَّى ناموا وجماعة من البَحْرانية، وفتح لهم الباب فدخلوا، وأقاموا الخطبة للمقتدي وملك شاه.
قال المصنف ﵀: ورأيتُ في بعض التواريخ أنَّ الخليفة عزل وزيره عميد الدولة في هذه السنة، واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين الرُّوذراوري، وكان صالحًا عفيفًا، إلا أنَّه كان بخيلًا، فهجاه الموصلي فقال:[من الكامل]
ما استبدلوا ابنَ جهيرَ في ديوانِهمْ … بأبي شجاعَ لرفعةٍ وجلالِ
لكن رأَوهُ أشحَّ أهلِ زمانِهِ … فاستوزروه لحفظِ بيتِ المالِ
وما وليَ لبني العباس أعفُّ من أبي شجاع ولا أكثرُ صدقات، وسنذكره إن شاء الله تعالى.