للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي يُعرف بخالصة الملك ريحان الإسكندراني، قد ندب نفسه لرياسة الفتيان، والكتب صادرة إليه بذلك من جميع البلدان، وجعلوا اجتماعهم بجامع براثا، وكان مسدودَ البابِ مهجورًا، ففتح ابن الرسولي بابَه، ورتب له قيِّمًا يُنظِّفه، وعرف أصحاب عبد الصمد ذلك، فأنكروه، وعظَّموا ما يكون منه، وقالوا: إن هؤلاء يدعون لصاحب مصر، ويجعلون دار الفتوة عنوانًا لجمع الكلمة على هذا الباطن، فتقدَّم الخليفةُ إلى عميد الدولة بالقبض على ابن الرسولي وعبد القادر، فقبض عليهما، ووجد لابن الرسولي في هذا المعنى كتبًا كثيرةً، وآل (١) الخادمَ المقيمَ بالمدينة، فسأله عميد الدولة عن الموافقين له، فسمَّاهم، فقبض على جماعة منهم، وهرب الباقون، وصودر جماعةٌ بسببهم (٢).

وكان من جملة الكتاب الَّذي وضعه ابن الرسولي: الحمد لله القديم فلا يخلقُه دهر، العظيم فلا يلحقه قهر، العليم فلا يخفى عليه سر ولا جهر، الأول فليس لوجوده ابتداء، الآخر فليس لجوده انتهاء، الظاهر بلا مُعينٍ ينصره، الباطن بلا زمانٍ يحصره، أحمده إذ وفقني لحمده، وأشكره شُكرَ مَنْ بذل غاية جهده، وأشهد أن لا إله إلا الله، إرغامًا لمن كفر ونافق، وإدحاضًا لمن نفر وشاقق، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله على حين فترة من الرسل، وختم بملَّته (٣) سائر المِلَل، وعصمه من كلِّ زلل، وكان ممن تقدَّمه أشرف وأجلّ، فأيَّده بالرسالة، وعظَّمه بالشرف والجلالة، والحمد لله مُعزِّ الفتيان بالفتوة، وجاعِلها إرثَ الامامة والنبوة، وجعلها لأهلها أنسابًا، وسمَّاهم بها أحبابًا، فهي حلاوةٌ يجدها العارفون، ويقِفُ عندها الراغبون، ويرغب فيها مَنْ عرف معانيها، وتسمو إلى مراتبها نفسُ متعاطيها، وما زالت منذ آدم، ظهرت مع العالم، وقام بحقِّها، فلمَّا انتهت مُدَّته أوصى بها إلى شيث مستحقِّها، ثم انتقلت إلى نوحٍ فصرفها إلى سام، ثم ظهرت في الخليل ، فحاز الفضلَ العميم،


(١) آلَة: ساسَه. المعجم الوسيط (آل).
(٢) الخبر في المنتظم ١٦/ ٢١١ - ٢١٢.
(٣) في (خ): وختم به، والمثبت من (ب).