للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلاف" و"اللُّمع في أصول الفقه" و"طبقات الفقهاء" و"التبصرة" و"المعونة" وغير ذلك، وكان له اليدُ البيضاءُ في النظر، وبُورك له في تصانيفه، وانتفع بها الناس؛ لِحُسن قصده، وانتشر عِلْمُه، وكثُر أتباعُه.

وكان طلقَ الوجه، دائمَ البِشر، مَليحَ المحاضرة، يحكي الحكايات الحِسان، وينشد الأشعار المستحسنة، مع الزهد في الدنيا، والورعِ الشافي، وكان لا يُخرج شيئًا إلا بنية، ولا يتكلَّم في مسألة إلا قدَّم الاستعانة بالله، ولا صنَّف بابًا إلَّا وصلَّى ركعتين، فلا جرمَ شاع اسمُه في الدنيا، وانتشرت تصانيفه شرقًا وغربًا، ببركات هذا القصد والنية والإخلاص، ورأى النبيَّ فقال له: يا شيخ. فكان يفتخر بهذا ويقول: قال لي رسول الله : يا شيخ.

ولمَّا قدم خراسان في الرسالة تلقَّاه الناس، وخرجوا إليه من نيسابور، فحمل إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشيته، ومشى بين يديه كالخدم، وقال: أنا أفتخر بهذا.

وسُئِلَ عن التأويل فقال: هو حَمْلُ الكلام على إخفاء مَحامله.

وما عِيب عليه شيء إلا دخوله النظامية، وذكره الدرس بها؛ لأنَّ حاله في الزهد والورع خلافُ ذلك.

وكان يمشي يومًا في الطريق ومعه صاحبٌ له، فعرض له كلبٌ، فزجره صاحبُه، فقال له أبو إسحاق: لم زجرتَه؟ أما علمت أن الطريق مشتركٌ بيننا وبينه؟

وله أشعار منها في غريق [في] (١) الماء: [من الطويل]

غريقٌ كأنَّ الموتَ رَقَّ لأخْذِهِ … فلانَ لهُ في صورةِ الماءِ جانِبُهْ

أبى اللهُ أنْ أنساهُ دهري فإنَّهُ … توفَّاهُ في الماءِ الَّذي أنا شارِبُهْ

وقال: [من الوافر]

سألتُ النَّاسَ عن خِلٍّ وَفِيٍّ … فقالوا ما إلى هذا سبيلُ

تمسَّكْ إنْ ظفِرْتَ بوُدِّ حُرٍّ … فإنَّ الحُرَّ في الدُّنيا قليلُ

وقال: [من الوافر]


(١) ما بين حاصرتين من (ب).