جبل وأنت على آخر، وبيننا الوادي، فنتحدث ونتعاهد، وتُسلِّم إليَّ بلد هراة، وتُنفذ إلى خواجا بزرك لأقرر معه هذه القواعد، فلستُ بأقلَّ من مسلم بن قريش. فاستشاط السلطانُ غضبًا، وأمر بضرب عنق الرسول، فقام نظام الملك وقبَّل الأرض، وسأله فيه، وعزَّ على النظام؛ لأنَّه بادر به إلى السلطان، وكان في مجلس شُرْبِه، فلمَّا عرف مجيء نظام الملك أمر برفع المجلس احترامًا له، وهذه كانت عادتُه، فلمَّا لم ينفصل أمرٌ عَزَّ على النظام ذلك، وأمر السلطان بأن يُطاف بالرسول العسكر، وأن يُضرب ضربًا مُبرِّحًا، ففعل به ذلك، وعاد إلى صاحبه.
ووصل الأمير منصور بن مروان صاحب ميَّافارقين فنزل على الأمير، فماج، وحمل من الغد خيلًا لا قيمةَ لها، وأشياءَ زرية، فأقامت على سرادق السلطان يومًا لم يلتفِتْ إليها، ورآها فلم تُعجِبْه، وحمل إلى خاتون هديةً قليلةً، ولم تمضِ عليه غيرُ خمسة أيَّام حتَّى بعث إلى إياز النظامي يقترض منه ألف دينار، وأمرَ دلَّالةً أعجميةً أن تقترض له على ثلاثة آلاف دينار بسبعة آلاف، وأظهر جماعةٌ تواقيع للسلطان عليه منذ عشر سنين لم يُعطِ أهلَها شيئًا، وطالبوه وأهانوه هوانًا كثيرًا، فذل، ومع هذا لم يؤثر فيه، وقصد نظام الملك ورمى بنفسه عليه وعلى الحاشية، فلمَّا كثروا على السلطان في أمره قال: لا سبيل إلى إعادة البلاد حتَّى ينفصل أمر تكش، فقال النظام لمنصور: لا سبيل إلى إعادة ما أخذه ابن جَهير منك، فقال: لو أخذ مني ضيعةً ما رضيتُ.
وورد كتابُ ابنِ جَهير أنَّه قد استولى على أربعة حصون، وأنَّ أهل ميَّافارقين قد كاتبوا بالتسليم، فحينئذٍ أجاب على أن يكون له ميَّافارقين، وتوقَّف الحال، وتحدَّث في مصاهرة السلطان، وبذل ستين ألف دينار، فقيل له: أنت تستقرض بالربا، فمن أين لك ستون ألف دينار؟ وافتضح وصار ضحكةً بقلَّة عقله، وقد كان خرج من ميَّافارقين بغير خيمةٍ ولا زادٍ ولا درهم.
وفي ذي الحجَّة فُتحت مدينة ملطية، فتحها خالٌ لسليمان بن قُتُلْمِش.
وفيها بنى بدر الجمالي جامع العطَّارين بالإسكندرية، وسببه أن ولدًا له عصى عليه، ودخل الإسكندرية فتحصَّن بها، فسار أبوه إليها فنازلها شهرًا، وطلب أهلُها الأمان، وفتحوا له الباب، فدخلها، وأخذ ابنَه أسيرًا، وبنى هذا الجامع.