وفي ذي الحجة تُوفِّي أبو علي بن الوليد المعتزلي، وسنذكره إن شاء الله تعالى.
وفيها وقع طاعون عظيم بالعراق، ثم عمَّ الدُّنيا، فكان يكون الرجل قاعدًا في شغله فتثور به الصفراء فتصرعه فيموت من وقته.
وهبَّتْ ببغداد ريحٌ سوداء فأظلمت الدُّنيا، ولاحَتْ نيرانٌ في أطراف السماء وأصواتٌ هائلة، فأهلكت خلقًا كثيرًا من النَّاس والبهائم، واشتدَّت الأمراض ببغداد، فكان الأطباء يصفون اللحم في الحميات لحفظ القوة، وامتلأت المقابر من الموتى، وفُقِدَ المغسِّلون والحفَّارون.
ومرَّ بعضُ الأتراك بباب مُحَوِّل، فرأى طفلةً على باب بيت وهي تقول: مَنْ يغتنِمْ أجري ويأخُذْني، فإن أبي وأمي وأخواتي ماتوا في هذا البيت. فدخل التركيُّ فرأى في البيت عدة أموات، فخرج مسرعًا وركب، ثم خطر له أن يرجع ويأخذها، فعاد فلم يجدها على الباب، فنزل ودخل الدار، وإذا بها ميتة في صدر أمها.
وكان أهلُ الدرب يموتون كلهم فيُسَدُّ بابُ الدرب.
وفيها اتَّفق جماعةٌ مع ولد بدر الجمالي بمصر على قتله وينفرد بالملك، وعلم بدر، فقتل الجماعةَ الذين واطؤوه، وعفَّى آثار ولده.
ويقال: إنه دفنه حيًّا. وقيل: غرَّقه. وقيل: جوَّعه حتَّى مات. وكان بدر فاتكًا جبارًا عاتيًا، قتل خلقًا من العلماء وغيرهم، وأقام الأذان بحيَّ على خير العمل، وكبَّر على الجنائز خمسًا، وكتب سبَّ الصّحابة على الحيطان.
وفيها أمر المقتدي بالله بأن يلبس أهل الذمة الغيارات والزنانير ويهانوا، وتُنقَضَ دورُهم التي تعلو دور المسلمين، وتُسدَّ أبوابُهم المقابلة للجامع، وأن يغضُّوا أصواتهم عند قراءة التوراة في دورهم، وأمر بإراقة الخمور وكسر الملاهي ونقض دور المفسدين.
ووردت الأخبار بأن الأنبروت ملك الفرنج نزل على المهدية، وضايقها وفتحها عنوة، وقتل رجالها، وسبى نساءها.