للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوم الجمعة غرة رمضان، وأبقى العميد على حاله، وأضاف إليه أحدَ الحُجَّاب شحنةً له، وأخذ معه ولد سليمان وأهله، وأقطعهم إقطاعًا بخراسان، وجاءه ولد أبي الحسن بن منقذ صاحب شَيزَر طامعًا، فأبقاه عليها، وجاءه ابن ملاعب صاحب حمص بخيل وهدية، فأقرَّه على عمله، وتقدَّم إليه بمنع من يمضي من عسكره إلى تتش، وكان قد تسرَّب منهم إليه عدد كثير، ولمَّا قطع السلطان الفرات مضى (١) أُرْتُق إلى القدس، ثم مضى إلى الرمل، فنزل الجفار مستوحشًا من السلطان، واتَّفق الغلاء في عسكر السلطان وعدم الميرة، فبلغ الخبزُ كلَّ اثني عشر رغيفًا بدينار، ومكوك شعير بدينار، وغرارة تبن بثلاثة دنانير، فنفقت الخيل والجمال والبغال، وهلكت الأموال والأثقال، ورحل عدد كثير من العسكر، وعادوا على أقبح صورة، حدروا ما بقي من الأثقال في الفرات إلى بغداد، وانكفأ السلطان راجعًا، ورجع أهل الرُّها عما كانوا عليه من الطاعة؛ لأنَّ العميد الذي ولَّاه عليهم استقصى [أموالهم] (٢) فنفروا منه، وقبضوا على الأرمن المرتبين في البلد مع الشحنة الذين سلَّموا البلد إلى السلطان، وأخرجوا العميد من البلد، فأقطع السلطانُ للأمير بُزان الرُّها، فنزل عليها وحاصرها، فسلَّمها إليه رجلٌ تاجرٌ نصرانيٌّ من أهلها -يقال له: ابن كدانا- في ذي الحجة، فدخلها، وخرج الوزير فخر الدولة من ميَّافارقين، فتلقَّى السلطان على دارا (٣)، وحمل إليه أموالًا كثيرةً من أموال بني مروان، ورفع عليه العميد أبو علي الذي كان يتعرَّف أحوال البلاد المروانية، وقال: إن ابن جَهير اقتطع الأموال والجواهر والأمتعة لنفسه، وكثُرتِ السّعايات به والشناعات عليه، فعُزِلَ عنها، ووليها العميد المذكور، وسار إليها، وسار السلطان حتى نزل بعَقَرْقُوف، فخرج إليه أبو شجاع والخدم ووجوه النَّاس، وعظَّمه الخليفةُ أكثرَ ما جرت به العادة، بعث له الإقامات الكثيرة، فقيل: إنه كان يُعلِّق كلَّ يوم على خيله أربعةَ أكرار، وصنع له الخليفة سِماطًا عظيمًا دخله ألفا رأس، وحملانًا ودجاجًا وحلواء، فجلس عليه قليلًا، ثم قام وانتهبه الضعفاء والحواشي.


(١) بعدها في (خ) زيادة: إلى.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) دارا: بلدة في لحف جبل بين نصيبين وماردين. معجم البلدان ٢/ ٤١٨.