للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل عليه الوزير أبو شجاع فسلَّم عليه عن الخليفة، وأدَّى رسالةً تتضمَّن السرور بقدومه، فجثا على ركبتيه، وقدَّم له الوزيرُ سُبحةً فيها جواهر قيمة، فسُرَّ بها، فأومأ إلى تقبيل الأرض، وركب أبو شجاع، وخرج نظام الملك في صحبته وعظَّمه، وركب السلطان من عَقَرْقوف في اليوم الثالث من ذي الحجة، ودخل بغداد، ونزل بدار المملكة، وقد امتلأت بغداد بالنَّاس من الجانبين يدعون له ويضِجُّون، وهو يردُّ عليهم لا يمنعهم من المشي بين يديه.

وكان السبب في مجيئه إلى بغداد خاتون زوجته، فإنَّها ألزمَتْه لتنقل ابنتها إلى الخليفة، وأنفذت من الموصل إلى أصفهان مَنْ يُحضِر الجهاز إلى بغداد، وضرب نظام الملك سُرادِقَه بالزاهر ومعسكره حتَّى يقتدي به العسكر ولا ينزلون في دار أحد، فلم يتجاسر أحدٌ أن ينزل في دار أحد، وكان العوامُّ يدخلون على السلطان متُظلِّمين وشاكين، فيكشف مظالمهم، ويزيل شكواهم، وكان النساء يمشين بين الخيام لا يقدر (١) أحدٌ من العسكر من التعرُّض لهم، ولم يروا مثلَ هذا [الأمن] (٢) ولا مثلَ هيبة هذا السلطان، وكان في جملة [عسكر] السلطان فخر الدولة ابنُ جَهير وولدُه مثلَ بعض النَّاس، وما انتفعا بإزالة ملك بني مروان، ولم يدخل بغداد سوى الأمراء والحُجَّاب والخواص، ومَنْ سواهم تفرَّقوا في البلاد.

وكان أهل بغداد قد خافوا من زيادة الأسعار، [فادَّخروا الأقوات، فلمَّا انصرف العسكر رخصت الأسعار]، وركب السلطان إلى قبر أبي حنيفة فزاره، وإلى قبر معروف ومقابر الشهداء، والعوامُّ بين يديه يضِجُّون له بالدعاء، ومضى إلى قبر موسى بن جعفر إلى الكوفة يوم الثلاثاء نصف ذي الحجة وزار المشهد، وإلى مشهد الحسين ، وفرَّق في المشهدين الأموال، وأمر بعمارة ما دُثِرَ (٣) من السور، [وبإجراء نهرين إلى المسجدين]، وفعل نظام الملك في هذه المشاهد والصدقة على العلويين أعظم ممَّا فعل السلطان.


(١) في (ب): يقدم.
(٢) ما بين حاصرتين هنا وفي المواضع الآتية من (ب).
(٣) في (ب): درس.