يجلسوا ناحيةً. فقال له: ويحك، هذه الطائفة أركان الإِسلام، وجمال الدنيا والآخرة، فلو أجلستُ كلَّ واحد منهم على رأسي لما استكثرتُ له ذلك ولا استقللتُه.
وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي بن الجويني قام لهما وأجلسهما إِلَى جانبه، وإذا دخل عليه أبو علي الفارْمَذي قام له وأجلسه فِي طراحته وجلس بين يديه، فامتعض من ذلك القشيري وابن الجويني، وقالا للحاجب: نحن أولى بالإكرام من الفارمَذي. فأبلغَ الحاجبُ النظامَ ما قالا، فقال: القشيريُّ وابنُ الجويني وأمثالُهما إذا دخلوا عليَّ أضرُّوني، وقالوا: أنتَ وأنتَ، ووصفوني بما ليس فيَّ، فيزيدُني كلامُهُم تِيهًا، والفارْمَذي إذا دخل عليَّ وعظني وزجَرَني ويذكر لي عيوبي وظلمي فأنكسر وأنتفع به، وأرجع عن كثيرٍ ممَّا أنا فيه، وكان يُعظِّم الصوفية ويُحبُّهم، حتَّى إنه أعطى بعضَ متمنِّيهم فِي أوقاتٍ ثمانينَ أَلْف دينار.
وسأله التَّمِيمِيّ عن سبب تعظيمه إيَّاهم، فقال: كنتُ فِي خدمة بعض الأمراء، فأتاني صوفيٌّ فقال: اخدُمْ من تنفعُكَ خدمتُه، ولا تخدُمْ من تمزِّقُه الكلاب غدًا. فلم أفهم معنى قوله، وكان الأمير يشرب الخمر، فشرب فِي تلك الليلة، وكانت له كلابٌ كالسباع الضارية تدور حول خيمته وتفترس الغرباء، فغلبه السُّكْرُ، فخرج آخرَ الليل وحدَه، فلم تعرِفْه الكلاب فمزَّقَتْه، فعلمتُ أن الرَّجل كُوشِفَ بذاك، فأنا أطلب أمثاله.
وكان النظام إذا سمع الأذان أمسك عما كان فيه، ويراعي أوقات الصلوات، ويصوم الاثنين والخميس، ويكثر الصدقة، وكان حليمًا وقورًا، وبنى المدارس والرباطات فِي كلِّ بلد، ووقف عليها الأوقاف الكثيرة، وله بأصبهان نظاميةٌ وبغيرها، وصرف العناية إِلَى نظامية بغداد، وأوقف عليها أوقافًا كثيرة، منها سوق المدرسة وغيره، ونقل إليها الكتب الفائقة، وشرط أن يكون بها القُرَّاءُ والنُّحاةُ، وكان يُطلِقُ ببغداد فِي كلِّ سنة برسم الصِّلاتِ (١) عشرين أَلْف دينار وخمس مئة كُرٍّ غلَّةً.
ولمَّا بنى المدارس والرباطات فِي المفاوز والقناطر والجسور ونحوها سعى به أعداؤه إِلَى ملك شاه، وقالوا: قد ضيَّع عليكَ أموالًا عظيمةً فِي هذه الوجوه، وكان قد