للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا وصلت خاتون أَصبهان وجدت غلمان نظام الملك قد أقاموا بركياروق بن ملك شاه فِي السلطنة، وكان أكبر أولاده [وأمُّه زبيدة] (١) وخطبوا له بالملك، وانحاز إليه العساكر، وكان بالري، ولقَّبوه غياث الدين، فأخرجت خاتونُ ثلاثةَ آلاف أَلْف دينار، وأنفقَتْها فِي العساكر، وبعثت معهم تاجَ الملك أَبا الغنائم، فالتقوا فِي عشر ذي الحجة بالري، فاستأمن أكثرُ العسكر إِلَى بركياروق، وانهزم تاج الملك فيمن بقي معه، فلحقه غلمان نظام الملك فقطَّعوه قِطَعًا ومثَّلوا به؛ لأنهم نسبوا قتل النظام إليه، ثم اتفق الصلحُ على أنَّ أَصبهان وفارس لخاتون وابنها محمود، وباقي البلاد لبركياروق وهو السلطان، ثم جاء تاج الدولة تُتُش عم بركياروق لقتاله، فخرجت خاتون لتلقِّي تاج الدولة، ثم رجعت من جَرْباذَقَان، وجاء بركياروق إِلَى أَصبهان طارحًا نفسه على أخيه محمود، ومستنجدًا به على عمه تاج الدولة، فنزل محمود من السرير وأجلسه عليه، ثم مات محمود بعد قليل، فقيل: حُمَّ فمات. وقيل: كحله بركياروق.

وقال أبو يعلى بن القلانسي: كان تُتُش قد خرج من دمشق إِلَى بغداد للقاء أخيه ملك شاه والخدمة له، فوصل الخبر بوفاته، فرجع إِلَى الرحبة وضايقها، فلم يستقِمْ له فيها أمر، فسار إِلَى دمشق وحشد، وعاد إليها، وكتب إِلَى آق سنقر صاحب حلب ومؤيد الدولة يغي شعبان صاحب أنطاكية يسألهما المساعدة، فجاءا بأنفسهما وأنجداه، وضايقها وملكها بالأمان، وكان قد نذر على نفسه متى ملكها شهر سيفَه فيها، فلمَّا دخلها شهر سيفه عند بابها ثم أغمده، فقال: قد وفيتُ بنذري، وأحسن إِلَى أهلها، وسار إِلَى نَصيبين، وقد كان إبراهيم بن قريش رجع إِلَى أعماله الموصل وأعمالها، وغلب ولد أخيه شرف الدولة محمدًا وأبعده عن الولاية، ولمَّا نزل تُتُش على نَصيبين خرج إليه واليها طائعًا، وعصاه الجند الذين كانوا بها من أصحاب إبراهيم بن قريش، فملكها بالسيف، وهدم قطعةً من سورها، وقتل كلَّ من التجأ إِلَى الجامع والمساجد، وهتك أصحابُه البناتِ وفضحوهنَّ، وقتل ألفي رجل، وجرى على المسلمين منه مالا يستحِلُّه الكفار، وكان الأتراك يباشرون النساء فِي الطرقات، وكان فتوحُها سنة سبع وثمانين وأربع مئة.


(١) فِي (خ): عمر، والمثبت من (ب).