دارًا وأضافها إِلَى دار المملكة، وحفر بالعراق نهر شبلي والأسحقي وسابروج، فأخرج من النهروان أنهارًا، وكان يحب العمارة والعدل.
قال ابن الهمذاني: وفتح الرُّها وقلعة جَعْبَر وغيرَها، وبلغت عساكرُه إِلَى القسطنطينة، وأجرى الماء إِلَى الحرمين، وأجرى على المجاورين الأرزاق، وأزال المواخير من الدنيا، والخمورَ من جَيحون إِلَى الشَّام.
وكان الرَّجل يسير وحده من كاشغر إِلَى اليمن، ولم تَزلْ دولتُه فِي إقبال من السعادة وسَعة العطاء بجميع الخلائق من الأمراء والعلماء والفقهاء والشعراء والأدباء والأغنياء والفقراء، وهو أول من صلَّى العيدين من الملوك ببغداد على مذهب أبي حنيفة ﵁ بالتكبير.
وكان جوادًا، سمحًا، شجاعًا، يباشر الحروب بنفسه، ولم يَلِ من أول الإِسلام إِلَى زمانه من هذه أوصافه ولا من عمَّ (١) الدنيا فضلُه وإنصافُه، وكانت سعادتُه بسعادة وزيره نظام الملك مقرونة، وظهرت الأسرار التي كانت فِي طيِّ الأقدار مخزونة.
ولمَّا تُوفِّي ضبطَتْ زوجتُه خاتون تركان بنت الخان الأمورَ أحسنَ ضبط، فلم يلطِمْ عليه أحدٌ، ولم يشُقَّ ثوبًا، وبعثت بخاتمه مع قوام الدولة إِلَى أَصبهان بتسليم قلعتها، وساستِ الأمورَ سياسةً عظيمةً، وفرَّقت فِي العساكر عشرين أَلْف أَلْف دينار، وبعثت إِلَى الخليفة بتقرير ولدها أبي القاسم محمود وعمره يومئذ خمس سنين وعشرة أشهر، فبعث إليها الخليفة بالخِلَع مع عميد الدولة ابن جَهير، وعزَّاها فِي السلطان، فألبسها محمودًا، وخُطِبَ له على المنابر ببغداد، واستوزرت له تاجَ الملك أَبا الغنائم المَرْزُبان بن خسرو، وكان السلطان قد هيَّأ له خِلَع الوزارة ليقيمه مقام النظام، فعاجله القدر، فخلعت عليه خاتون، وفوَّضت الأمورَ إليه، ثمَّ خرجت وابنَها وتاجَ الملك إِلَى أَصبهان بالعساكر يوم الثلاثاء العشرين من شوال، وحُمِلَ الأميرُ أبو الفضل جعفر بن المقتدي إِلَى أَبيه، ووصلت خاتون إِلَى أَصبهان، وكتبت إِلَى الخليفة أن يكتب لابنها عهدًا بالسلطنة، فقال: لا يجوز ذلك؛ لأنه لم يبلغ الحلم، وكتبوا فتاوى، فقال بعض الحنفية ويعرف بالمشطب ابن محمَّد: يجوز. وقال الغزالي: لا يجوز. فأعجبَ الخليفةَ قولُ الغزالي.