للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النقل، فقال: أريد جوابًا حسنًا. فكتبتُ إليه: أيها السلطان، إنَّ هؤلاء الجُهَّال يطلبون الله من طريق الحواس والمشاهدة، والله تعالى لا يُعلَم من حيث الحسن؛ لأنه مُبايِنٌ له فجحدوه، وإنما يُعلَم من حيث النقل والعقل، ولابدَّ لهذه الموجودات من صانعٍ صنعها، وخالقٍ ابتدعها، وإلا فذهبت فائدةُ الوجود، وذكرتُ كلامًا فِي هذا المعنى، فقال لي: صدقتَ، ولعنَ اللهُ أولئك القائلين ماقالوا.

ذكر وفاته:

وسببها أنَّه خرج إِلَى الصيد بعد صلاة عيد الفطر، فأكل من لحم الصيد فأُتْخِم، فافتصد وحُمَّ. وقيل: إنه طرقَتْه حُمَّى حادَّة فجأةً. وقيل: إن خردك سمَّه (١) فِي خلال تخلَّل به، فأقام مريضًا مشغولًا بنفسه، مات ليلة الجمعة منتصف شوال، فكان بينه وبين نظام الملك ثلاثةٌ وثلاثون يومًا، وكان عمره سبعًا وثلاثين سنة وخمسة أشهر، ومدة ملكه تسع عشرة سنة وستة أشهر.

وأُخرج ليلًا من دار المملكة إِلَى الشونيزية يحمله رجلان، ولم يُصَلِّ أحدٌ عليه؛ لأنهم كتموا موته (٢).

قال السِّمناني: خرج السلطان يوم العيد بعد وصوله إِلَى العراق فِي المرة الثالثة، وذلك يوم السبت، فرجع إِلَى داره يوم الخميس، ولم يَصِلْ إليه أحدٌ من خواصِّه، فكأنه اختُلِسَ من بين العالم، فلم يُصَلِّ عليه، ولا ظهرت له جنازة، ولا حُذِفَ عليه ذنَبُ فرس، ولا بكى عليه باكٍ، ولم يُسمع بملك فِي الإِسلام ملك من كاشغر إِلَى القدس طولًا ومن القسطنطينية إِلَى بحر الهند عرضًا سواه، وكان فِي مملكته جميعُ ما وراء النهر وبلاد الهياطلة وباب الأبواب والروم وديار بكر والجزيرة وحلب والشَّام، وخُطِبَ له على جميع منابر الإِسلام إلَّا (٣) المغرب، وأسقط المكوس من تركستان إِلَى الشَّام، وحفر المصانع بطريق مكة، وبنى الربط والخانات فِي المفاوز، وبنى ببغداد


(١) العبارة فِي (خ): إنه جردك سمكة! والمثبت من (ب) والمنتظم.
(٢) فِي (ب): أمره.
(٣) فِي (خ): إِلَى، والمثبت من (ب).