للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأسقط من المكوس والضيافات ما قيمتُه ألفي أَلْف دينار، فكتب إليه النوَّاب: قد ضاقَتْ علينا الأمور، وتعطَّلت المصالح برفع هذه الضرائب، فكتب على رأس الرقعة: المالُ مالُ الله، والعبيدُ عبيدُ الله، والبلادُ بلاد الله، وإنَّما أنا واسطة، وما يبقى لي غير هذا، فمن راجعني فيه ضربتُ عنقه.

وقصده رجلان يُعرفان بابني غزال من قرية تُعرف بالحدادية فتعلَّقا بركابه وقالا: نحن من أسفل واسط من قرية مقطعة لخُمارتكين الحلبي صادَرنا على أَلْف وست مئة دينار، وكسر ثنيتي [أحدنا بيده] (١) وقد قصدناك أيها الملك لتقتصَّ لنا منه، فقد شاع من عدلك ما حَمَلَنا على قصدك، فإن أخذتَ بحقِّنا كما أوجب الله عليك وإلَّا فاللهُ الحاكمُ بيننا وبينك. ونزل عن فرسه وقال: ليُمسِكْ كلُّ واحد منكما بطرف كُمِّي، واسحباني إِلَى دار حسن -يعني نظام الملك- فأفزعهما ذلك، ولم يُقدِما عليه، فأقسم عليهما إلَّا فعلَا ذلك، فأخذ كلُّ واحد منهما بطرف كمِّه وسارا به إِلَى باب النظام، وبلغه الخبر، فخرج مسرعًا، وقبَّل الأرضَ بين يديه، وقال: أيها الملك (٢) المُعظَّم ما حملَكَ على هذا؟ فقال: كيف يكون حالي غدًا عند الله تعالى إذا طولبتُ بحقوق المسلمين وقد قلَّدتُك هذا الأمر لتكفيني مثل هذا الموقف؟ فإن تَطرَّقَ على الرعية ثَلْمٌ لم يتطرَّقْ إلَّا بك، وأنت الطالب فانظُرْ بين يديك. فقبَّل الأرض وسار فِي خدمته، ثم عاد فكتب بعزل خُمارتِكين وحلِّ إقطاعه، وردِّ المالِ عليهما، وقلع (٣) ثنيَّتيه إن ثبت ذلك عليه بالبينة، ووصلهما نظام الملك بمئة دينار وأعادهما من وقتهما.

واستحضر ملك شاه مغنيةً مستحسنةً بالري فأعجبَتْه، فتاقَتْ نفسُه إليها وأرادها، فقالت له المغنية: إنِّي أغار على هذا الوجه الجميل أن يُعذَّب بالنار، إن بين الحلال والحرام كلمة. فقال: صدقتِ، وتزوَّجها.

وقال الجرجاني الواعظ وكان خِصِّيصًا بملك شاه: كانت الباطنية قد أفسدَتْ عقيدته، فكان يقول لي: أيش هو الله؟ وإلامَ تشيرون بقولكم: الله؟ فذكرتُ له أدلة


(١) ما بين حاصرتين من (ب)، والعبارة فِي المنتظم: فكسر ثنيتي أحدنا والثنيتان بيده.
(٢) فِي (ب): أيها السلطان.
(٣) تحرفت فِي (خ) إِلَى: وقطع، والتصويب من (ب) والمنتظم.