وجاء إليه تركمانيٌّ قد لزم تركمانيًّا آخر وقال: هذا وجدتُه مع ابنتي قد انثنى بها، وأريد أن تأذن لي فِي قتله. فقال: لا، ولكن تُزوِّجها به، ونُعطي المهر من خزانتنا عنه. فقال: لا أقنع إلَّا بقتله. فسَلَّ السلطانُ السيفَ وأعطاه إيَّاه، وأمسك بيده الجفن، وأمره أن يعيد السيف إِلَى الجفن، فكلَّما رام الرجلُ ذلك لم يُمكِّنه السلطان، وقال: مالكَ لا تُدخل السيفَ فيه؟ فقال: ما تدَعُني. فقال: كذلك ابنتُكَ. فبقي الرجلُ متحيِّرًا وقال: الأمر إِلَى السلطان يفعل ما يشاء. فزوَّجه بها، وحمل المهر من الخزانة.
ودخل عليه بعض الوُعَّاظ فحكى له أنَّ بعضَ الأكاسرة انفرد عن عسكره، فجاز على باب بستان، فاستسقى ماءً ليشرب، فأخرجَتْ له صبيةٌ إناءً فيه ماء قصب السكر والثلج، فشربه واستطابه، وقال: هذا كيف يُعمل؟ فقالت: إن قصب السكر يزكو عندنا حتَّى يُعصر بأيدينا فنُخرج منه هذا الماء. فقال: أحضريني منه شيئًا آخر. فمضت وهي لا تعرفه، فنوى فِي نفسه اصطفاء المكان لنفسه وتعويضهم عنه، فما كان بأسرع من أن خرجت وهي باكية، فقال لها: ما لكِ؟ فقالت: نيَّةُ سلطاننا قد تغيَّرتْ. علينا. فقال لها: من أين علمتِ؟ فقالت: كنتُ آخذُ من هذا الماء ما أريدُ من غير تعسُّف، والآن فقد اجتهدتُ فِي العصر فلم يسمح بشيء مما كان يخرج عفوًا. فعلم صدقها وقال: ارجعي الآن فإنك تبلغين الغرض. ونوى أن لا يفعل ما عزم عليه، فعادت وخرجت ومعها مثل الأول، فقال له ملك شاه: أَنْتَ تَحكي لي مثل هذا فلِمَ لا تحكي للرعية أنَّ كسرى اجتاز وحدَه على بستان، فقال للناطور: ناولني عنقودًا من الحصرم، فقد كظَّني العطش، واستولَتْ عليَّ الصفراء. فقال: لا أفعل؛ لأن السلطان لم يأخذ حقَّه منه، وما يُمكنني خيانتُه.
وسار من جَيحون إِلَى أنطاكية فِي مئة أَلْف، فما قدر أحدٌ يقول: إنَّ أحدًا أخذ علاقة تبن بغير ثمنها.
ودخل بغداد ثلاث مرات فما نزل أحدٌ دارَ أحد، وكانت السُّوقةُ تمشي ليلًا ونهارًا تخترق عسكره، والسَّوادية يطوفون بالدجاج والتبن والبيض والخبر، والنساء يمشين بين الخيام، ولا يتعرَّض أحدٌ لأحد.