للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أهل ميَّافارقين، وكرهه آخرون لما رأوا من عدل ابن جَهير، وكان ابنُ أسد الفَارقي الشاعر [له (١)] عشيرة، فاجتمعوا إليه، وانضاف إليهم العوام، وصاروا يدورون فِي البلد على سبيل الحفظ له، وطال على النَّاس جواب بركياروق، وكانوا قد كاتبوه، وجاء تُتُش من دمشق، وفعل بأهل نصيبين ما لا يفعله الكفار، فخاف أهلُ ميَّافارقين منه، فجاء إليه أعيانُهم وسألوه المسيرَ إليهم، وابن المنجور فِي برج الملك بحاله (٢)، وكان قد سار إِلَى تُتُش ابنُ زيدان والقاضي ابنُ صدقة وغيرُهما، فالتقاهم تُتُش وأكرمهم، وقال: تصبرون أيامًا ونسيرُ جميعًا. وكان منصور بن مروان مقيمًا بالجزيرة، فأرسل إِلَى أبي نصر الفارقي فوعده بالجميل، فاستدعاه وسلَّم إليه البلد، فدخل، واستوزره، ولقَّبه محيي الدولة، وأمِنَ ابنُ المنجور على نفسه، فنزل من البرج، ثم خرج إِلَى نَصيبين يطلب أباه، وكان قد خرج مع القاضي وغيره فوجدهم قد ساروا مع تُتُش إِلَى آمِد، ففتحها، ثم جاء إِلَى ميَّافارقين فِي هذه السنة وخوَّفهم، ففتحوا له الباب، وخرج منصور إِلَى المخيم، فاستجار بوزير السلطان أبي النجم، فأجاره، وسلَّم تُتُش ميَّافارقين إِلَى الوزير ابن الأنباري الذي كان ابنُ جَهير أمر بقتله، فأقام بها إِلَى أن قَتل تُتُش ابنَ أسد الفارقي الشَّاعر، فاستوحش منه، وخرج إِلَى الهيَّاج، فأقام به مدة، وكان معه ولده الأمير أبو القاسم وولده أبو سعد وابنُ أخيه محمَّد بن السديد، وكان أخوه السديد أبو الغنائم بميَّافارقين، فقبض عليه طُغْتُكِين مملوك تُتُش، وأقام ابنُ الأنباري بالهيَّاج، ثم ألحَّ تُتُش فِي طلبه، فسُلِّم إليه، فضرب عنقه وعنق ولده أبي القاسم عند ملطية فِي هذه السنة، وقتل طُغْتُكِين السديدَ أَبا الغنائم بميَّافارقين، ضرب عنقه على بابها فِي رجب، وكان صائمًا، فعرض عليه الماء، فقال: لا والله لا ألقى الله إلَّا صائمًا. فقتلَ تُتُش بعدُ أولادَ الأنباري شرَّ قِتلة.

ولمَّا قَتل تُتُش ابنَ الأنباري على ملطية سار إِلَى عراق العجم يريد الاستيلاء على الممالك، وخرج بركياروق من بغداد يقصد الجزيرة للقائه.


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) فِي (ب): المملكة.