للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبع وسبعين، وعُزِل سنة أربع وثمانين، وكان سليمًا من الطمع، وكان يملك حينئذ ست مئة أَلْف دينار، فأنفقها فِي الخيرات والصدقات.

قال أبو جعفر بن الخرقي: كنت أنا واحدًا من عشرة يتولَّون إخراج صدقاته، فحسبتُ ما خرج على يدي فكان مئة أَلْف دينار، ووقف الوقوف، وبنى المساجد، وأكثر الإنعام على الأرامل واليتامى، وكان يبيع المخطوط المستحسنة ويتصدق بثمنها، ويقول: أَحَبُّ الأشياء إليَّ الدينار والخطُّ الحسن، فأنا أخرج محبوبي لله تعالى.

ووقع مرضٌ فِي زمانه، فبعث إِلَى جميع ضعاف البلد أنواع الأشربة والأدوية، وكان يخرج العشر من جميع أمواله النباتية على اختلاف أنواعها.

وعرضت عليه رقعة من بعض الصالحين يذكر فيها امرأةً معها أربعة أطفال أيتام وهم عُراةٌ جِياع، فقال لبعض أصحابه: امضِ إليهم، واحمِلْ لهم ما يُصلِحُهم. ثم خلع ثيابه وقال: واللهِ لا لَبِسْتُها، ولا أكلتُ طعامًا، حتَّى تعود وتخبرني أنك كسوتَهم وأشبعتَهم. فمضى الرَّجل وعاد وهو يرعد من البرد.

وقال حاجبُه الخاص: استدعاني ليلةً، وأمرني بعمل قطايف، فعملتُها، فلما حضرت بين يديه [قال: فرِّقها فِي الفقراء، فحملها الفرَّاشون معي ففرَّقتُها فِي الأضِرَّاء والفقراء، فقلتُ له فِي ذلك، فقال: لمَّا حضر بين يديَّ (١)] ذكرتُ نفوسًا تشتهيه ولا تقدرُ عليه، فتنغَّص عليَّ أكلُه، فلم أذُق منه شيئًا. وكان قد ترك الاحتجاب، ويُكلِّم المرأة والطفل، ويحضر مجالِسه الفقهاءُ والعوامُّ، ولا يمنع أحدًا، وإذا أفتى الفقهاء بوجوب القصاص على شخص سأل أولياءَ الدم أخْذَ شيءٍ من ماله وأن يعفوا عنه، فإن فعلوا، وإلَّا أمر بالقصاص، وأعطى ذلك المال ورثةَ المقتول الثاني.

ولقد غُمَّ الهلالُ فِي رمضان، فأمر بإفطار النَّاس، وأحضر أطباقًا فيها سُكَّر ولوز وأطعم النَّاس، ثم تبيَّن أن اليوم من رمضان، فندم أشدَّ الندامة، وذبح البقر والغنم، وتصدَّق بصدقات كثيرة، وآلى أن لا (٢) يتكلم فِي الفروع.


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) العبارة فِي الأصل (خ): وإِلَى الآن لم، والمثبت من (ب).