للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أيامه سقطت المُكوس، وألبَس أهلَ الذمة الغيار، وتقدَّم إِلَى المحتسب أن يؤدِّب كلَّ من يفتح دُكَّانه يوم الجمعة ويغلقه يوم السبت من البزازين وغيرهم، وقال: هذه مشاركة لليهود فِي حفظ سنتهم (١).

وحجَّ فِي وزارته سنة ثمانين، فترك فِي طريقه الزادَ مبذولًا والأدوية، وعمَّ أهلَ الحرمين بصدقاته، وساوى الفقراء فِي إقامة المناسك والتعبُّد، وكانت به وسوسةٌ فِي الطهارة، فكتب إليه ابن عقيل رُقعةً ذكر فيها أخبارًا تتعلَّق بالوسوسة، مثل قوله : "صبُّوا على بول الأعرابي ذَنوبًا من ماء (٢) " و"أمِطْه عنك ولو بإذخرة (٣) " و"يُغسَل [من] بولِ الجارية، ويُنضَحُ [من] بولِ الغلام (٤) " ونحو ذلك، فزالت عنه الوسوسة.

ولمَّا عُزِلَ خرج يوم الجمعة إِلَى الجامع ماشيًا، فانثالتْ عليه العامة تصافحه وتدعو له، فقيل للخليفة: إنما قصد الشناعة عليك. فألزمَه بيتَه، وأنكر على مَنْ تَبِعه، فبنى فِي دهليز داره مسجدًا، فكان يؤذِّن ويُصلِّي فيه.

وبعث نظام الملك بإخراجه من بغداد، فأُخرج إِلَى بلده، فأقام مدة، ثم استأذن الحجَّ، فأذِنَ له، فخرج إِلَى مكة.

قال أبو الحسن بن عبد السلام: اجتمعتُ به فِي المدينة، فقبَّل يدي، فأعظمتُ ذلك، فقال لي: قد كنتَ تفعَلُ بي هذا فأحببتُ أن أُكافيك.

وجاور بالمدينة، فلمَّا مَرِضَ مَرَضَ الموت أمر أن يُحمل إِلَى حضرة النَّبِيّ ، فوقف وبكى وقال: يَا رسول الله، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا لِيُطَاعَ


(١) فِي المنتظم ١٧/ ٢٤: فِي حفظ سبتهم.
(٢) أخرجه بنحوه أبو داود (٣٨٠) من حديث أنس بن مالك ، وهو بمعناه فِي صحيح البخاري (٢٢١) ومسلم (٢٨٤). والذَّنوب: الدلو العظيمة. اللسان (ذنب).
(٣) أخرجه بنحوه الطحاوي فِي شرح معاني الآثار ١/ ٥٣، والدارقطني فِي السنن (٤٤٧)، والبيهقي فِي السنن ٢/ ٤١٨ عن ابن عباس ، مرفوعًا.
وأخرجه البيهقي فِي المعرفة (٥٠١٥) من طريق آخر عن ابن عباس موقوفًا وقال: هذا هو الصحيح، موقوف، ثم قال عن المرفوع: لا يثبت.
(٤) أخرجه -بهذا اللفظ- أبو داود (٣٧٧) من حديث علي . ويشهد له حديث أبي السمح عند أبي داود -أَيضًا - (٣٧٦)، والنَّسائيّ ١/ ١٥٨، والحاكم ١/ ١٦٦، وما بين حاصرتين من مصادر التخريج.