بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٦٤] وقد جئتُ معترفًا بذنوبي وجرائمي أرجو شفاعتك. وبكى، وتُوفِّي من يومه، ودُفِنَ بالبقيع عند قبر إبراهيم بن رسول الله ﷺ بعد أن صلَّوا عليه فِي مسجد رسول الله ﷺ، وزوَّروا به الحضرة الشريفة النبوية - على صاحبها أفضلُ الصلاة والسلام - وذلك فِي منتصف جمادى الآخرة، وهو ابن إحدى وخمسين سنة.
وكان متبرِّمًا بالوزارة لدينه وورعه، وكان فِي غناءٍ عنها، وما كان ينافس فِي الدنيا، وكانت أيامُه أحسنَ الأيام، وزمانه أنضرَ الأزمان، ولم يكن فِي الوزارة مَنْ يحافظ على قوانين الشرع مثله، شديدًا فِي أمور الآخرة والشريعة، سهلًا فِي أمور الدنيا.
وقام للخلافة فِي أيام نظره حشمةٌ واحترامٌ عادت سالفَ الأزمان.
وكان أحسنَ النَّاس خطًّا ولفظًا، وما كان يخرج كلَّ يومٍ من بيته حتَّى يكتب شيئًا من القرآن ويقرأ ما تيسَّر، وما وجبَتْ عليه زكاةٌ قطُّ.
وله شعر حسن، ولم يقُلْ بعد الوزارة سوى هذه الأبيات فِي الزهد، وهي: [من البسيط]
قد آن بعد ظلامِ الجهل إبصاري … للشيب صبحٌ يناجيني بإسفارِ
ليلُ الشَّبابِ قصيرٌ فاسْرِ مُبتكرًا … إِلَى الصباح قُصارى المُدلجِ السَّاري
كَمِ اغتراريَ بالدُّنيا وزُخرُفِها … أبني بناها على جُرْفٍ لها هارِ
دارٌ مآثِمُها تبقى ولذَّتُها … تَفنى ألا قُبِّحَتْ هاتَيكَ من دارِ
فما انتفاعي بأوطارٍ مضَتْ سلَفًا … قضيتُها وكأَنْ لم أقضِ أوطاري
فكنتُ إذْ ظفِرَتْ ممَّا كسبتُ يدي … لم تعتلِقْ من خطاياها بأوزارِ
ليسَ السعيدُ الذي دُنياهُ تُسْعِدُهُ … إنَّ السعيد الذي ينجو من النَّارِ
أصبحتُ من سيِّآتي خائفًا وَجِلًا … والله يعلَمُ إعلاني وإسراري
إذا تعاظمني ذنبي وآيَسَني … رجوتُ عفوَ عظيمِ العفو (١) غفَارِ
(١) تحرفت فِي الأصلين (خ) و (ب) إِلَى: الذَّنب، وهو تحريف شنيع، والتصويب من خريدة القصر (القسم العراقِي) ٢/ ٨٠.