للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألم تكن في القديم أمُّكم … لأمّنا سارة الجمال أَمَهْ

والملكُ فينا والأنبياءُ لنا … إن تُنكروا ذاك تُوجدوا ظَلَمَهْ

وزعم مَن يحفظ أنسابَ الفُرس ويعتني بها أن ملوك فارس كانت تحجُّ البيت الحرام، تمسُّكاً بهدي أبيها إبراهيم ، وأن آخر مَن حجَّ منهم ساسان بن بابك جدُّ أرْدَشير بن بابك، وهو أول ملوك الفُرس الثانية، وإنما سُمِّيت زمزم بذلك لأنه لما جاء وقف عليها وزمزم، قالوا للملك: زَمْزِمْ، فسُمِّيت بذلك لزمزمته، وأن ساسان هو الذي أهدى إلى الكعبة الغزالَيْن من الذهب والسيوف، فأخرجهما عبد المطلب (١).

وأنكر العارفون بالأنساب هذا، وقالوا بأن فارس من ولد سام بن نوح، وبينه وبين إسحاق قُرونٌ كثيرة على ما ذكرنا، ولا يُلتَفت إلى قول جرير؛ لأن العصبية حملتْه على ذلك، ولا يَثبت أن الفُرس حكموا على البيت الحرام ولا حَجُّوه، وإن الغزالَيْن من دَفْنِ جُرْهُمٍ، وزمزم اسمٌ لها من زمان أمِّ إسماعيل، ولو كان من ولد إسحاق فلم عبدوا النيران وتمجَّسوا وكفروا؟ وإنما نزل فارس بتلك الأرض فنُسِبت إليه.

قال ابن قتيبة: وكان يَنزل بعضهم ببَلْخ، وبعضهم ببابل (٢).

وقال ابن الكلبي: أول ملوك فارس كَيُومَرْت بالكاف، وقيل: جيُومَرْتِ بالجيم. وبعضهم يزعم أنه آدم نفسه، وبعضهم يقول: ابن آدم لصُلْبه من حوَّاء، وهو قول علماء الفُرس (٣).

وقال قوم: هو أول بني الفرس، وكان منفردًا عن العالم، ولم يكن في زمانه ظلمٌ ولا فساد، فكَثُر الظلم والفسادُ والبغي، فاجتمع حكماءُ زمانه وقالوا: إن صلاح هذا العالم في إقامة مَلِك يُورِد الأمور ويُصدِرها، كما أن صلاح الجسد بالقلب، وإن العالَم الصغير من جنس العالم الكبير، لا تستقيمُ أمورُه ولا تنتظم أحوالُه إلا برئيس


(١) انظر مروج الذهب ٢/ ١٤٨ - ١٥٠.
(٢) المعارف ص ٦٥٢.
(٣) انظر تاريخ الطبري ١/ ١٤٦.