الرجال والنساء ثلاثون ألفًا، وكان صمتُه أكثرَ من نطقه، وإذا تكلَّم هام الناسُ على وجوههم، وترك الناسُ المعاش، وحلق أكثرُ الصبيان رؤوسهم، ولزموا المساجد والجماعات، وبدَّدوا الخمور، وكسروا الملاهي. وكانت عليه آثار الزهد ظاهرة.
وقال إسماعيل بن أبي سعد الصوفي: كان العبَّادي ينزل في رباطنا، وكان في الرباط بركة كبيرة، وكان يتوضأ منها، فكان الناس ينقلون منها الماء بالقوارير والكيزان تبركًا، حتَّى كان يظهر فيها النقصان، وظهرت له الكرامات؛ قام إليه رجل ليتوب، فقال: قِفْ مكانك ليطهرك ماءُ المطر -ولم يكن في السماء قزعة من سحاب- فارتفع سحابٌ في الوقت وأُمطِرَ الرجلُ. وقال أبو منصور الأمين: قال لي العبادي يومًا: يا أبا منصور، أشتهي توتًا شاميًّا وثلجًا، فإنَّ حلقي قد تغيَّر. فعبرتُ إلى الجانب الغربي ولي فيه بساتين، فطفتُ واجتهدتُ فلم أرَ شيئًا، فرجعتُ قُبيل الظهر إلى داري، وكان نازلًا في بيت منها منفرد، فقلت لأصحابه: من جاء اليوم؟ قالوا: امرأة. وقالت: قد غزلتُ غزلًا، وأُحِبُّ أن تقبل ثمنه مني. فأخبرناه فقال: ليس لي عادة بذلك. فجلست تبكي، فرحمها وقال: قولوا لها: اذهبي فاشتري لنا به شيئًا. فقالت: ما الَّذي أشتري؟ فقال: ما يقع في نفسها. فخرجَتْ فاشترَتْ توتًا شاميًّا وثلجًا وجاءت به.
وقال أبو منصور: دخلتُ يومًا عليه فقال لي: يا أبا منصور، قد أحببتُ أن تعمل لي اليوم دعوة. قال: فاشتريتُ الدجاج، وعقدتُ الحلواء، وغرمتُ أكثر من أربعين دينارًا، فجلس يفرِّقه ويقول: احمل إلى الرباط الفلاني كذا وكذا، وإلى المكان الفلاني، ولم يتناول منه شيئًا، ورأى فيَّ انقباضًا، فغمس أصبعه الصغرى في الحلواء وقال: يكفي هذا.
وكان معه طعام قد حمله من مرو، فكان يأكل منه، ولم يأكل من خبز بغداد. قال: وكنت أرصده، فكان يصلي العشاء الآخرة ويَتَقلَّب على فراشه طول الليل، ثم يقوم فيصلي الفجر بذلك الوضوء.
وقال عبد الوهاب بن أبي منصور: دخلتُ على العبَّادي وهو يشرب مرقة، فقلت في قلبي: ليتَه أعطاني فضلَتَه فأشربَها، لعلِّي أحفظ القرآن. فأعطاني فضلتَه وقال: اشرَبْها على تلك النية. فشربتُها، فحفظتُ القرآن.