للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها خرجت والدةُ السُّلْطان محمود شاه من أصبهان إلى السُّلْطان سنجر، فلقيها ببَلْخ، وأكرمها، فقالت له: أَدْرِكْ ابنَ أخيك وإلا تَلِفَ، فإنَّ الأموالَ قد تمزَّقت، والبلادَ قد أشْرَفَتْ على الأخذ، وهو صبيٌّ وحوله من يلعب بالمُلْك. فقال لها: سَمْعًا وطاعة. وكان وزيرُ محمود ومدَبِّرُ دولته أبو القاسم (١) سيِّئ التَّدبير، ظالمًا، وكان خائفًا من مجيء سنجر إلى البلاد، فأنفق ما كان في خزائن محمد في أربعة أشهر، وباع الجواهر والأثاث [وأنفقه] (٢) في العساكر فلم يُفِدْه، وشَرَعَ سنجر في التجهيز إلى العراق، وبلغ الوزير [أبا القاسم] (٣) فكتَبَ عن لسان الأُمراء إلى سنجر: إنَّ محمودًا ابنُ أخيك وولدُك وتحت كفالتك. وبعث هدايا وألطافًا وخمسين ألف دينار، وكان ذلك خديعةً منه، فقابل سنجر الخداع بمثله، وقال: الجواب عند وصولنا إلى هَمَذَان.

وكان من سوء تدبير الوزير أنه أشار على محمود بولاية دُبَيْس واسطًا والبَصرة مضافًا إلى الحِلَّة، وكان سنجر لمَّا بلغه موتُ أخيه محمد كَتَبَ إلى الخليفة، وبعث بالهدايا مع رجلٍ عاقل، فَقَرَّر أمره، وبَعَثَ الخليفةُ إليه بخِلَع السَّلْطنة الكاملة، وجَعَلَ غَزْنة وسَمَرْقَند وما وراءَ النهر مضافًا إليه.

وفيها كَثُرَ فساد الفرنج في بلاد المسلمين، فجاء [الأَميرِ نجم الدين] (٣) إيل غازي إلى دمشق، فاتَّفَقَ مع طُغْتِكين على جهادهم، وتحالفا [وتعاقدا] (٣) وأنَّ إيل غازي يمضي إلى ماردين ويجمع التُّرْكمان، ويكون اللِّقاءُ في صفر سنة ثلاث عشرة [وخمس مئة] (٣) على حلب (٤).


(١) أبو القاسم هو علي بن القاسم الأنساباذي الدركزيني، ولم يكن وقتذاك وزيرًا للسلطان محمود، إذ كان وزيره وقتئذٍ ربيب الدولة أبا منصور بن الوزير أبي شجاع، وكان أبو القاسم في أوليته وزيرًا لحاجبه الكبير علي بن عمر، ومن خلاله كان يبسط نفوذه في الدولة، ولم يل الوزارة للسلطان محمود إلا في سنة (٥١٨ هـ)، ثم عزل عنها سنة (٥٢١ هـ) ليعود إليها سنة (٥٢٣ هـ) حتى مقتله سنة (٥٢٧ هـ)، انظر أخباره في "تاريخ دولة آل سلجوق": ١١٢، ١١٤ - ١١٥ وما بعدها، ١٢٣، ١٣٥ وما بعدها، و"الكامل": ١٠/ ٦٤٢، ٦٥٢، ٦٦٩، ٦٧٨، ٦٨٧، و"معجم الأنساب": لزامباور: ٣٣٩.
(٢) ما بين حاصرتين من (م)، وفي (ش): وأنفقها.
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) انظر "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٣١٨ - ٣١٩.