للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّودان، فاجتاز ليلةَ عيد الفطر بين القصرين، فوثبا عليه، وأمسك أحدهما بعِنان فرسه، وضربه الآخر في رأس فؤاده ثلاثَ ضَرَبات بسكينٍ مسمومة، فَحُمِلَ إلى داره وبه رَمَقٌ، فاوصى ومات، وقتِلَ الرجلان في الحال، فكانت وِزَارتُه ثمانيًا وعشرين سنة، وستة أشهر وأيامًا، واستوزر الآمر أبا عبد الله محمد بن فاتك، ويعرف بابن البطائحي. وقيل: إنَّه هو الذي دَبَّر في قَتْل الأفضل، وإن اللذين قتلاه كانا من الباطنية، وأحسن إليه الآمر، ولقَّبه المأمون، فتجبَّر وطغى، وعَزَمَ على قَتلِ الآمر، فقتله الآمر في رمضان سنة تسع عشرة [وخمس مئة] (١) وقتل معه خمسة أخوة، فكانت وزارته أربعَ سنين.

وقال أبو يعلى بنُ القلانسي: كان قتل الأفضل ثاني عيد الفطر سنة خمس عشرة [وخمس مئة] (١)، بأمرٍ رُتِّبَ له [ودُبِّر عليه إلى أن أمكنتِ الفُرصة منه] (١)، وقد كان على غايةٍ من الاحتراز، والتحفُّظِ بأنواع السِّلاح والغِلْمان والخدم والعبيد، بأيديهم الأسلحة التَّامة، فوثَبَ عليه رجلان، فضرباه ضرباتٍ سَقَطَ منها عن جواده إلى الأرض، وحُمِلَ إلى داره وبه رَمَقٌ، فماتَ من يومه.

وادَّعوا أنَّ الباطنية قتلته، وليس بصحيحٍ، والسببُ فسادُ ما كان بينه وبين الآمر، وتضييقه عليه.

وكان الآمر قد عَزَمَ على اغتياله إذا دخل إلى قصره أيام الأعياد وغيرها، فخاف من الشَّناعة، وقال له الأمير أبو (٢) الميمون عبد المجيد: هذا قبيحٌ، وفيه سوءُ سمعة، وهذا الرَّجل له في خدمتنا منذ خمسين سنة (٣)، فما عُذرُنا عند النَّاس وهم لا يعلمون ما في نفوسنا له، وما ننقم عليه بسببه، وإنَّما الصَّواب أن نستميل أبا عبد الله بن البطائحي الغالبَ على أمره، فَنُطمِعُه ونُمَنِّيه، ونَعِده بمنصبه، فإنَّه يجيبُ إلى ذلك لأمرين: أحدهما لأن مذهبه مذهبنا، والثَّاني: حب الدُّنيا، ويُدَبِّر هو في قتله، وإذا قُتِلَ أظهرنا كراهةَ ذلك، وقتلنا قاتله، وأظهرنا التأسُّفَ عليه، فَيَعذِرُنا الكافَّة.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ع) و (ب) ابن، وهو خطا، وأبو الميمون عبد المجيد هو الذي تولى مصر بعد الآمر، ولقب بالحافظ لدين الله، ومات سنة (٥٤٤ هـ)، وستأتي ترجمتها في وفياتها من هذا الكتاب.
(٣) في "ذيل تاريخ دمشق": ٣٢٤، لأن هذا وأباه في خدمتنا منذ خمسين سنة. قلت: وهو الأدق والأصوب.