للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فراسل ابنَ البطائحي، وأطمعه في منصبه، فدَبَّر الأمر في قتله، فَقُتِلَ في رأس السُّيوفيين (١) يوم الأحد سَلْخ رمضان سنة خمس عشرة [وخمس مئة] (٢)، وعمره [إذ ذاك] (٢) سبعٌ وخمسون سنة، لأنَّ مولده بعكا سنة ثمانٍ وخمسين وأربع مئة، وكان حَسَنَ الاعتقاد، سُنِّيًّا، جميلَ السِّيرة، مُؤثرًا للعدل، كريمَ الأخلاق، صادِقَ الحديث، ولم يأتِ الزمانُ بمثله، ولا حُمِدَ التَّدبير عند فَقدِهِ، واستولى الآمر على خزائنه، وأمواله، وذخائره وجميعَ أسبابه، وولَّى ابنَ البطائحي على ما ذكرناه (٣).

[قلتُ] (٢): وكان الأفضل جوادًا مُمدَّحًا، مدحه خَلْقٌ كثيرٌ، منهم القاضي الرَّشيد أحمدُ بنُ قاسم الصِّقِلِّي (٤) قاضي قُضاةِ مِصر؛ دخل عليه [يومًا] (٢) وبين يديه دواة مُحَلّاة بمَرْجانٍ، فقال بديهًا: [من الكامل]

أُلِيْنَ لداودَ الحديدُ بقُدْرَةٍ … يُقَدِّرُهُ في السَّرْدِ كيفَ يُريْدُ

ولانَ لك المَرْجانُ وهو حِجارةٌ … على أَنَّه صَعْبُ المَرَام شَديدُ (٥)

وكان [الأفضل] (٢) قد أجرى الماء من النِّيل إلى قَرَافة مِصر، وكان للقاضي الرَّشيد بها دارٌ، فكتب إليه [يسأله إجراء الماء إلى داره، فقال] (٢): [من الوافر]

أيا موْلى الأنامِ بلا احتِشامٍ … وسَيِّدَهُمْ على رَغْمِ الحَسُودِ

لِعَبْدِكَ بالقَرَافَةِ دارُ نُزْلٍ … لموجودِ الحياةِ أو الفقيدِ

وفي أرجائِها شَجَرٌ ظِماءٌ … عَدِمَنْ الحُسْنَ من وَرَقِ وعُوْدِ

فَمُذْ غَدَتِ المصانعُ مُمْتِعاتٍ … عَدِمْنَ الرَّيَّ في زَمَنِ الوجودِ

يَقُلْنَ إذا سَمِعْنَ شجا السَّواقي … مقالةَ هائمٍ صَبٍّ عميدِ (٦)


(١) أي سوق السيوفيين، وكان يقع عند المدخل الجنوبي الغربي لميدان بين القصرين. وانظر في مكان مقتله ما ذكره ابن خلكان: ٢/ ٤٥٠، و"ذيل تاريخ دمشق": ٣٢٥.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) انظر "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٣٢٣ - ٣٢٥.
(٤) ذكره العماد الكاتب في "الخريدة" قسم شعراء المغرب: ١/ ٢٣٦ - ٣٣٧، وعنه نقل السبط هنا.
(٥) "الخريدة" قسم شعراء المغرب: ١/ ٣٣٦.
(٦) العميد: الذي هدَّه العشق، انظر "اللسان" (عمد).