للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عليُّ بنُ أفلح قد قدم على الخليفة فأكرمه، ولقبه جمال الملوك، فظهر أَنَّه عَيْنٌ لدُبيس، فنَقَضَ دارَه، فهرب (١).

وفي صفر أُشير على الخليفة بعمل السُّورِ على بغداد، وجبوا العقار وأملاك النَّاس، فضَجُّوا، فكتب القاضي أبو العَبَّاس بن الرُّطَبي إلى الخليفة رُقعة يقول فيها: الخادم - أدام الله ظلَّ المواقف المقدَّسة - يطالع بما يعتقد أَنَّ أداءه حَقُّ النِّعْمة عليه، وإنْ كَتَمَه كان مقصِّرًا في تأدية ما يجب عليه، وعالمًا أنَّ الله يسأله عنه. فلو قيل لي: يا أحمد بن سلامة، قد خدمتَ العِلْم منذ الصِّبا حتى انتهيتَ إلى سنِّ الشيخوخة، وقد علمتَ أَنَّ النَّاصح قليل، والمُشْفقَ نادر، وقد خدمتَ إمام العَصر خدمةً زال معها الارتياب عنده فيما تنهيه، وهو - أدام الله علوَّه - لا تنهى إليه حقائقُ الأحوال إلا من جانبٍ مخصوص، فما عُذْرُك يا أحمد عند الله في كِتْمانِك، وليس يراد من مثلك إلا قول الحق، وإيراد الصِّدْق؟ وهذه أوقاتٌ الأَوْلى فيها استمالةُ القلوب، وإذاعةُ الصَّدقات والأعمال الصالحات، وحَقِّ الله يا مولانا إنَّ الذي يتحدَّث به العوام فيما بينهم [من] (٢) أَنَّ أحدهم كان يعودُ في معيشته ويأوي إلى منزله، فيدعو بالنَّصر والحِفْظ للدَّوْلة، وقد صاروا (٣) يجتمعون في المساجد والأماكن شاكين مما قد التُمِسَ منهم، ويقولون: كُنَّا نسمع أَنَّ في البلد الفلاني مصادرة فنعجب، ونحن الآن في كَنَفِ الإمامة المُعَظَّمة نشاهد ونرى. وقد أصبَح النَّاسُ بين محسنٍ للظَّنِّ ومسيء؛ فالمحسن يقول: ما عند الإمام خبرٌ مما يجري، ولو عَلِمَ لما أَقَرَّهم عليه. والمسيء يقول: الفاعل لهذا أقل من أن يُقْدِمَ عليه إلا عن عِلْمه ورضًى، وفي هذا اليوم حَضَرَ عند الخادم رجلٌ صالح يُعرف بالأُرْمَوِي، فبكى وأنشد: [من الطويل]

ليَبْكِ على الإسلامِ مَنْ كان باكيا

وقال لي: دويراتٌ بالجعفرية أُجْرَتُها في كلِّ شهرٍ دينار وقد طُولبت بسبعةِ دنانير! فيا مولانا، اللهَ اللهَ في الدِّين والدَّوْلة من هذا الفِعْل الذي قد شاع ولا مساغ له في


(١) ستأتي ترجمته (وفيات سنة ٥٣٣ هـ)، وانظر قصة داره ثمة.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (ع) و (ب): صار، والمثبت من "المنتظم".