للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّرْع، ولا يخلو أعداءُ الدَّوْلة من أن تكون لهم عيونٌ ترفعُ إليهم مثلَ هذه الأخبار، فما بَلَغَ الأعداءُ في القَدْح في الدولة بمثلِ هذا، وماذا يراد من المال إلا إنجاد الأولياء والأنصار، وليس إلا عزمة من العزمات الشرَّيفة تُصلَحُ بها ضمائر الرَّعية، ويؤمر النُّوَّاب لإعادة ما أُخِذَ من الفقراء، وإنْ كان ما أُخذ من الأغنياء باقيًا يعاد إليهم، وإن مَسَّتِ الحاجة يُسْتَقْرضُ منهم، ويكون دَيْنًا على الخزائن، والخادِمُ وإن كان قد أطال فهو معذور لما في قلبه من هذه الشَّناعات، والرأي أعلى.

فلما وقفَ الخليفةُ على الرُّقْعة رَدَّ على النَّاس ما أُخذ منهم، وأَمَرَ بعِمارة السُّور من ماله، وكان ابتداءُ عمارته في نصف صفر، وكان أَهلُ كل مَحلَّةٍ يَخْرُجُون بالطُّبول والزُّمور يعملون يومًا.

وعَزَمَ الخليفة على خِتان أولاده، وأولاد إخوته وكانوا اثني عشر، فَزُيِّنت بغداد، وعُملت القِباب، وعَمَلَت خاتون قُبَّةً على باب النوبي، وعَلَّقتْ عليها من السُّتور الدِّيباج والحُلِيِّ والجواهر ما أَذْهَلَ النَّاس (١).

وأما دُبَيْس فإنَّه نجح في البرية، ونزل على غَزِيَّة (٢). وسألهم أن يحالفوه، فقالوا: نحن بطريق مكة، وما يمكنا معاداة الملوك، وأنت بعيد النَّسب منا، وبنو المنتفق أقرب نسبًا إليك. فمضى إليهم، فحالفوه، وقصد البَصرة في ربيع الأول، ونهب ما في مشهد طلحة والزُّبير ، وقَتَلَ خَلْقًا كثيرًا، وعَزَمَ على قَطْعِ النَّخيل، فصانعه أهلُها على مالٍ، فأخذه وَرَحَل (٣).

وفيها قبضَ محمود على وزيره عثمانَ بن نِظام الملك، وقَتَلَه، وبعث إلى الخليفة بعزل أخيه أحمد، فبلغه ذلك، فانقطع في داره، وبعث إلى الخليفة يسأله أن يُعْفى من الحضور في الديوان، فأجابه، ولم يُؤْذَ بشيء.

وناب أبو القاسم بن طِراد في الوِزارة، ثم بعث الخليفة إلى عميد الدولة بن صدقة، فأحضره من الحديثة، فجاء، ونزل بالحريم الطَّاهري، فأقام أيامًا، وبعث له الخليفة


(١) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٤٣ - ٢٤٥.
(٢) في "الكامل": ١٠/ ٦١٠ أنهم من عرب نجد، وانظر "الأنساب": ٩/ ١٤٤ - ١٤٥، و "نهاية الأرب" للقلقشندي: ٣٤٧.
(٣) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٤٥، و"الكامل": ١٠/ ٦١٠.