للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسُدْتَ بني العَبَّاس حتى لقد غدا … يباهي بكَ السَّجَّادُ والعَلَم الحَبْرُ (١)

فلله عَصرٌ أنتَ فيه إمامُهُ … ولله دينٌ أنتَ فيه لنا الصَّدْرُ

بقيتَ على الإسلام والمُلْكِ كلَّما … تقادَمَ عَصرٌ أنتَ فيه أتى عَصرُ

وأصبحتَ بالعِيْدِ السَّعيدِ مُهَنَّأ … يُشرِّفُنا فيه صلاتُكَ والنَّحْرُ (٢)

فنزل، ونحر البُدْن بيده، وبكى النَّاس، ودعوا له بالنَّصر، ودَخَلَ السُّرادِق، وأمر بجَمْع السُّفن، فَعَبَرَ بها إلى الجانب الغربي، وانقطع عبورُ النَّاس إلى الجانب الشَّرْقي الكُلِّية، وأما السُّلْطان فإنه وَصَلَ حُلْوان (٣)، وبَعَثَ زَنْكي بن آق سُنْقُر إلى واسط، فأزاح عنها عفيف الخادم، فعاد إلى بغداد، وأمر الخليفة بسَدِّ أبواب داره إلا دار النُّوبي، فإنَّه أجلس عليه حاجب الباب لحِفْظ الدَّار، ولم يبق من حاشية الخليفة في الجانب الشَّرْقي غيره، وأقبل السُّلْطان يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي الحِجَّة، فنزل الشَّمَّاسية، ودخل عسكرُه إلى بغداد، فنزلوا في دور النَّاس، وأمر الخليفة بنقل الحُرَم والجواري إلى الحريم الطَّاهري من الجانب الغربي.

ولم يزلِ السُّلْطان يراسل الخليفة، ويتلطَّف به، ويدعو به إلى العَوْدِ إلى داره والصُّلْح، ولم يُجِبْه، وجاء السُّلْطان من الجانب الشَّرقي في موقفٍ بإزاء عسكر الخليفة، ونال العوامُ منه، وقالوا: يا باطينة، يا ملاحدة، عصيتم أَمْرَ أميرِ المؤمنين، فعقودكم باطلة، وأنكحتكم فاسدة. ثم تراموا بالنُّشَّاب (٤).

[قال جَدِّي : وفي هذه السَّنة] (٥) حُمِلْتُ إلى أبي القاسم علي بن يعلى العَلَوي وأنا صغير السِّنِّ، فلقَّنني كلماتٍ من الوعظ، وألبسني قميصًا من الفوط، ثم جلس لوداع أهل بغداد [عند السور مستندًا إلى الرباط الذي في آخر الحلبة] (٦)،


(١) العلم الحبر: هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس، والسجاد ابنه علي، وقد ذكر الأوزاعي وغيره أنه كان يسجد كل يوم ألف سجدة، انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء": ٥/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٢) انظر الأبيات في "المنتظم": ٩/ ٢٥٨ - ٢٥٩، و"عيون التواريخ" (خ) ١٣/ ٤٥٣.
(٣) حلوان: آخر حدود السواد مما يلي الجبال من بغداد. "معجم البلدان": ٢/ ٢٩٠ - ٢٩١.
(٤) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٥٤ - ٢٥٩.
(٥) في (ع) وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي : وفيها حملت … والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٦) ما بين حاصرتين من (م) (ش).