للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان [أحمد الغزالي] (١) يتعصَّبُ لإبليس ويَعْذِرُه، حتى قال يومًا: لم يدر ذاك المسكين أَنَّ أظافير القضاء إذا حَكَّتْ أَدْمَتْ، وقِسِيُّ القَدَرِ إذا رَمَتْ أَصمَت (٢). ثُمَّ أنشد يقول: [من الطويل]

وكُنَّا وليلى في صَعُودٍ من الهوى … فلمَّا توافَيْنَا ثَبَتُّ وزَلَّتِ (٣)

وقال: التقى موسى وإبليس عند عَقَبَة الطُّور، فقال له موسى: لِمَ لم تسجدْ لآدم؟ فقال: كلا، ما كنتُ لأسجد لبشرٍ يا موسى، أنا أَصدَقُ منك في التوحيد، أنتَ ادَّعَيْتَ التوحيد، وقيل لك انْظُرْ إلى الجبل، فنظرتَ، وأنا قيل لي اسجد لغيري ما سَجَدْتُ.

ثم قال الغزالي: مَنْ لم يتعلَّمِ التوحيدَ من إبليس فهو زِنْديق.

[قال جَدِّي: ولقد عجبتُ من هذا الهَذَيان الصَّادر من هذا الجاهل، فإنَّ إبليس لو كان مُحِبًّا له موحِّدًا لما حَرَّض النَّاسَ على المعاصي، وكيف يتفق مثل الهذيان في مثل بغداد وهي دار العلم، ولقد] (١) حضر مجلسَه يوسُف الهَمَذَاني، فقال: هذا مَدَدُ كلامِهِ شيطاني لا رَبّاني، ذهب دينه، والدُّنْيا لا تبقى له.

[قال: وشاع عن الغزالي أنه كان يقول بالشاهد، و] (١) يجالس المُرْد. [فحدثني] (٤) أبو الحسين بن يوسف أنه كتب إليه في حقِّ مملوكٍ له تركي رُقْعةً، فقرأها وهو على


(١) ما بين حاصرتين من (م) (ش).
(٢) قِسيّ جمع، مفردها قوس: وهي التي يرمى بها، وأصمت: أي رمته فقتلته مكانه. انظر "معجم متن اللغة" ٤/ ٦٧٦، ٣/ ٤٩٧.
(٣) البيت لكثيِّر عزة، وهو في "ديوانه" ص ٦٨، وروايته:
وكنَّا سلكنا في صعود من الهوى … فلما توافينا ثبتُّ وزلَّتِ
وهو من قصيدة مطلعها:
خليليَّ هذا ربع عزة فاعقلا … قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلَّتِ
انظر "ديوان كثير عزة" طبعة دار صادر، بيروت ١٩٩٤.
(٤) في (ع): وكان يجالس المرد، وحكى … والمثبت ما بين حاصرتين من (م) (ش).