للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسَبَحَ العَيَّارون، وعَسْكر السُّلْطان مشغولون بالنَّهْب، وفي دار الخليفة منهم نحو أَلْف رجل، فلما رأَوْا عسكرَ الخليفة قد عَبَروا إليهم، ذَلُّوا وانهزموا، ووقع فيهم السيف، واختفوا في السَّراديب، فَقَتَلَ عسكرُ الخليفة منهم جماعةً، وأسروا، وكان فيهم أُمراء، ونَهَبَ العوام دورَ أصحاب السُّلطان ووزيره [ودار العزيز أبي نصر المستوفي، وأبي البركات الطبيب] (١)، وكان عنده ودائع، فأُخذت من داره ما مبلغه وقيمته ثلاث مئة أَلْف دينار، وهَرَبَ أصحابُ السُّلْطان، وقُتِلَ منهم عِدَّة وافرة في الدُّروب والمضايق، والخليفة والوزير مقيمان في الجانب الغَرْبي حتَّى نقل الحُرَمَ من الحريم الطّاهري، ثم عَبَرَ الخليفة إلى داره يوم السبت سابع المحرَّم، ومعه العساكر، وحرسوا المضايق، والقتالُ يعمل إلى يوم عاشوراء، وتردَّدَتِ الرَّسائلُ بين الخليفة والسُّلْطان، وقال السلطان: ابعث من يُحَلِّفني. فمال الخليفةُ إلى الصُّلْح، وبَعَثَ قاضي القضاة الزَّينبي نيفًا وثلاثين شاهدًا، فحبسهم السُّلطان عنده ستة أيام، فيئس النَّاس من الصُّلْح، وعادوا إلى حَفْرِ الخَنادق، وقُسِمَتِ المَحَالُّ على المقدَّمين، وأجفل أهلُ الجانب الغربي خوفًا مِمَّا أسلفوا من شَتْمِ السُّلْطان، فإنهم بالغوا، وكانوا يقولون: يَا باطني، لما لم تقدر على غَزْو الرُّوم جئت تغزو الخليفة والمسلمين!

ودخل يرنقش الزَّكوي على السُّلْطان، فأَغْراه بالنَّاس، فَنَفَرَ فيه، وقال: أَنْتَ قَصدُك هلاك الإِسلام ونهب المسلمين، وتريد مني أن أُغَيِّر القِبْلة.

ثم تقدَّم في وقته بإحضار قاضي القُضَاة والعدول، فَصَلَّى القاضي بالسُّلْطان المغرب، وسَلَّم عليه، فأَذِنَ له في الجلوس، وقُرئ عليه مكتوبُ الخليفة، فقام وقَبَّلَ الأرض، وقال: سَمْعًا وطاعةً لأمير المُؤْمنين. ولم يخالف في شيء مما اقترح عليه، وحَلَفَ، وشَرَطَ على الخليفة أن لا يستخدم العساكر، ويعود إلى الحالة الأُولى. فطابتْ قلوبُ النَّاس، وفُتحت العقود، وطُمَّتِ الخنادق، ودَخَلَ [أصحاب] (٢) السُّلْطان البلد، وجعلوا يقولون: لنا ثلاثة أيَّامٍ ما أكلنا الخُبْز، ولولا الصلح لمتنا


(١) ما بين حاصرتين من (خ)، ولفظ: دار مثبت من "المنتظم": ١٠/ ٢.
(٢) ما بين حاصرتين من (خ).