للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومكافأةِ المُحسِن، وإنالةِ الراغب، وإسعافِ الطالب.

وشاوره أصحابُه في السجود له، فقال: لا يستحق ذلك إلا البارئُ تعالى، لأنه كسانا بهجة الفضائل.

وأغلظ له رجل، فقام بعضُ أصحابه إليه ليقتله، فقال له الإسكندر: لا تنحطَّ إلى دناءته، وارفعه إلى شرفك.

وقال: من انتجعك فقد أسلَفَك حُسنَ الطْنِّ بك (١).

وكتب إلى أرسطاطاليس: بم تأمرني؟ فكتب إليه: اجمع في سياستك بين بِدارٍ لا حِدَّة فيه، وريثٍ لا غفلة (٢) معه، وامزج كل شيء بشكله، وصُنْ وعدك عن الخلف فإنه شَيْن، وشِبْ وعيدك (٣) بتأخير العقوبة فإنه زَيْن، وكن عبد الحق فإن عبد الحق حرٌّ، وليكن خُلقك الإحسانَ إلى جميع الخلق، وأَطهر لأهلك أنك منهم، ولأصحابك أنك بهم، ولرعيتك أنك لهم.

وكتب الإسكندر إليه يخبره أن في عسكره جماعةً لا يأمنهم على نفسه، لبُعْد هممهم وشجاعتهم وقلَّة عقولهم، ويكره أن يُقدم عليهم بالقتل على وجه الظِّنَّة، مع وجوب الحُرمة وسابق الخدمة، فكتب إليه أرسطاطاليس: أما ما ذكرتَ من بُعد هممهم، فإن الوفاءَ من بُعد الهمة. وأما ما ذكرتَ من شجاعتهم وقلة عقولهم، فإن كانت هذه الحالة فرفِّهْهُم في معيشتهم، وخُصَّهم بحسان النساء، فإن رفاهية العيش تُوهي العزم، وتُحبِّب السلامة، وتُباعد من ركوب الغرور، وأحسن خُلُقك تَخلُص لك النيّات، ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوساط رعيتك مثله، فليس مع الاستئثار محبة (٤)، ولا مع المساواة بِغْضة. واعلم أن المملوك إذا اشتُرِي لا يَسأل عن مال من اشتراه، وإنما يَسأل عن خُلُق مولاه.

وكتب إليه الإسكندر: إني أرى رجالًا ذوي أصالة في الرأي، وحُسنِ التَّدبير،


(١) العقد الفريد ١/ ٢٣١. وانتجع فلانًا: أتاه يطلب معروفه.
(٢) في النسخ: عجلة، والمثبت من الملل والنحل ٢/ ١٣٨.
(٣) في النسخ: وعدك، والمثبت من الملل والنحل ٢/ ١٣٨ وما سبق من أخبار فيه.
(٤) في النسخ: صحبة، والمثبت من تجارب الأمم ١/ ٣٨، والمنتظم ١/ ٤٢٧.