للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي صفر خَلَعَ الخليفةُ على أبي القاسم عليّ بن طِراد نقيب النقباء خِلَعَ الوزارة.

وفيها ضَمِنَ زَنْكي للسُّلْطان مئة أَلْف دينار على أن لا يعزله عن المَوْصِل، وضَمِنَ الخليفة للسلطان مثل ذلك ولا يولي دُبَيسًا ولاية، فَقَبِلَ السُّلْطان.

ثم إنَّ دُبَيْسًا دخل بغداد وأتى إلى دارِ السُّلْطان، وركب في طَيَّارٍ (١) للسلطان في دِجْلَة، والنَّاسُ يلعنونه ويسُبُّونه، وكان سنجر قد سلَّمه إلى ابنته امرأةِ محمود، فكانتِ السببَ في دخوله بغداد.

ورحل السُّلْطان من بغداد في جُمادى الآخرة، وسَلَّم الحِلَّة وشحنكية بغداد إلى بِهْروز الخادم، واتَّفَقَ أن ماتت ابنةُ سنجر التي كانت تدافع عن دُبَيْس، ومَرِضَ محمود، فأخذ دُبَيسٌ ولدًا صغيرًا لمحمود، ومضى إلى الحِلَّة، فدخلها في رمضان، وخَرَجَ منها بِهْروز. وبَعَثَ بِهْروز كاتبه إلى محمود بذلك، وكان عند محمود نَظَر الخادم الذي للخليفة ليقيمه من عزاء ابنة سنجر، فأُخبر، فقال لمحمود: منعتَ أميرَ المُؤْمنين من أن يستخدم العساكر، وسلَّطْتَ عليه عدوَّه. فأحضر محمود الأحمديلي وقزل، وقال: أنتما ضَمِنْتُما دُبَيسًا، وما أعرفه إلَّا منكما. فسار الأحمديلي يطلب العراق، وبَعَثَ دُبَيسٌ إلى الخليفة يقول: إنْ رضيت عني رَدَدْتُ عليك أضعافَ ما غَرِمْتَ من الأموال، وأكون مملوكك. وشَرَعَ في بيع الغِلال وجَمْعِ الأموال، حتَّى حَصَّلَ خمس مئة ألفِ دينار، ودَوَّن عشرة آلاف فارس بعد أن وصل في ثلاث مئة، ووصل الأحمديلي بغداد، ودخل على الخليفة، فأعطاه يده فَقَبَّلَها، ثم عَبَرَ دِجْلة قاصدًا إلى الحِلَّة. ووصلتِ الأخبارُ بأَنَّ السُّلْطان قد وصل يريد بغداد، فبعث إليه دُبَيسٌ أموالًا عظيمة وخَيلًا وهدايا، وضَمِنَ له أَنَّه إذا أَصلَحَ بينه وبين الخليفة أعطاه مئتي أَلْف دينار، وللخليفة ثلاث مئة حصان بأطواق الذَّهب، وإن لم يرضَ عنه دَخَلَ البَريَّة، فقال السُّلْطان: لا أرضى عنه أبدًا. فأخذ الصَّبيَّ، وخَرَجَ من الحِلَّة بالجمال والرَّوايا، ولا يدري أين يقصد، فوصل الخبر بأَنَّه دخل البصرة وأخذ منها أموالًا كثيرة، فبَعَثَ


(١) الطيار: زورق خفيف سريع الجريان، انظر "معجم متن اللغة": ٣/ ٦٤٦.