للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السُّلْطان إليه قزل في عشرة آلاف فارس، فدخَلَ البَرِيَّة وانقطع خبره. وخَرَجَ الوزير أبو القاسم للقاء السُّلْطان، فأعطاه السُّلْطان فرسه وعليه ما قيمته ثلاثون أَلْف دينار.

وفي روايةٍ: أن سنجر دَفَعَ دُبَيْسًا إلى محمود، وكان معتقلًا عنده بنيسابور، وقال له: ادخل به إلى بغداد، واشفعْ فيه عند الخليفة. فلمَّا دخل به قَبِل الخليفة شفاعته، وخَلَعَ عليه، وأعاده إلى الحِلَّة، والأَوْل أَشْهر.

وفيها كانت فتنة الإسماعيلية بدمشق، وكان ابن محرز قد سَلَّم إليهم حِصن القدموس لأَنَّ بُوري قصده ليأخذه منه، فسلمه إليهم، وكان الوزير المَزْدَقاني بدمشق يكاتبهم ويهاديهم خوفًا من بني الصّوفي، فَشَرَعَ وجيه الدِّين المُفَرِّج بن الصُّوفي رئيس دمشق مع بوري في الإغراء بالإسماعيلية، وهوَّن عليه أمرهم، وساعده الحاجب فيروز، ثم اتَّفقوا على قَتْلِ الوزير المَزْدَقاني، فاستدعاه بُوري إلى القلعة سابع رمضان، فجلس عنده، فلمَّا قام ليخرج وَثَبَ عليه جماعةٌ من الأجناد، فقتلوه في دِهْليز قلعة دمشق، وقطعوا رأسه، وأحرقوا جسده في باب الحديد، ثم مضوا إلى دار الدَّعْوة، وقتلوا كلَّ من بها، وثار عوامُّ دمشق على الإسماعيلية، فقتلوهم شَرَّ قِتْلةٍ؛ ذبحًا ورضًّا بالحجارة والسُّيوف، وصَلَبوا منهم جماعةً على سور دمشق، فكان عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ منهم عشرة آلاف على ما قيل، ولم يتعرضوا لحريمهم ولا لأموالهم، فقال نَصر بن إبراهيم البازْيار (١) يمدح ابنَ الصّوفي: [من الوافر]

مَلَكْناكُمْ فَصُنَّا مَنْ وراكُمْ … ولو مُلِّكْتُمونا لم تَصُونوا

أَسَلْنا مِنْ دمائِكُمُ بحورًا … جسومكُمُ لجائِشها سَفِينُ

فقلتُ لذي النِّفاقِ بحيثُ كانوا … أبادَ حِماكُمُ الأسدُ الحرونُ (٢)


(١) شاعر ولد بحلب، ونشأ بدمشق، كان معلم كُتَّاب، ثم أصبح طبيبًا، وترجم له العماد في "الخريدة" قسم شعراء الشَّام: ٢/ ١٦٥ - ١٦٨، وساق مقتطفات من شعره، وذكر أن وفاته سنة (٥٤٢ هـ) عن سبعين عامًا، وترجم له كذلك الصفدي في "الوافي بالوفيات": ٢٧/ ٥٠ - ٥١، والبازيار: اسم يطلق لمن يحفظ الباز، وهو من الجوارح التي يصاد بها، انظر "اللباب" لابن الأثير: ١/ ١٠٩.
(٢) الأبيات من قصيدة ساق بعض أبياتها العماد في "الخريدة"، والصفدي في "الوافي بالوفيات" مع اختلاف في ترتيب أبياتها.