للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ربيع الأول وَصَلَ الخبرُ إلى بغداد أَنَّ مسعودًا أخا محمود انفصل من سنجر، وجاء يَطْلُبُ السَّلْطنة، وقد اجتمعَ إليه جماعةٌ من العساكر، وكان محمود ببغداد، فَبَعَثَ إلى الخليفة يستأذنه في الرَّحيل إليه، فقال الخليفة: قد عَلِمْتَ ما بيني وبينك من الأَيمان، [و] (١) أنني لا أستخدم أحدًا، ومتى سافرت من العراق عاد دُبَيس إلى الحِلَّة، وأفسد وَعاث، وقصد بغداد. فقال محمود: متى رحلتُ من العراق وخفتَ على نَفسك والمسلمين، ولم أَقْدر على نجدتك بنفسي أو بعسكري فقد نَزَلْت عن اليمين، وافعلْ ما تراه من المَصلحة. ورَحَل عن بغداد، وقصد هَمَذَان، فراسله مسعود، وتحالفا واجتمعا، وحَمَلَ مسعود الغاشية بين يديه، وأعطاه محمود مئةً وخمسين أَلْف دينار والعساكر والبلاد، وافترقا.

وفيها تغيَّرَتْ نيةُ محمود على الخليفة، وكان قد عَهِدَ إلى ولده داود، واستحلف له الأمراء والخواصّ قبل رحيله من بغداد، وأرسل إلى الخليفة يطلب منه مالًا للنفقة وأن يخطب لولده، فقال: أما المال فما عندي، والخُطْبَة فالأمر فيها إلى سنجر فهو السُّلْطان. فغَضِبَ محمود، وعَزَمَ على تغيير الخلافة، وخرج إلى هَمَذَان، فلما استقرَّ بها جاءته رسل سنجر، فاستخفَّ بهم وأهانهم، وقال: أنا السُّلْطان، ومَنْ سنجر؟! وقَبَضَ على أعيان الأُمراء، وصادَرَ أهلَ هَمَذَان، وأَخَذَ أموالهم، وظَلَمَ وعَسَفَ، وأقام الخُطْبة لابنه داود بالجبل وأَذْرَبيجان، وعَزَمَ على دخول بغداد وتغيير الخليفة، فعاجله الموت بمرضٍ حَدَثَ به، واستقرَّتِ السَّلْطنةُ بعده لأخيه مسعود، وولاية العهد بعده لداود بن محمود، ثم لأخيه طغريل بن محمَّد (٢).

وفيها عَزَلَ بوري وزيرَه المُفَرّج بن الصُّوفي، واعتقله وأقاربَهُ اعتقالًا جميلًا، واستوزر كريمَ الملك أَبا الفضائل أَحْمد بن عبد الرَّزّاق المَزْدَقاني نسيب الوزير (٣)،


(١) ما بين حاصرتين من "المنتظم": ١٠/ ٢٠، والخبر فيه.
(٢) في (م) و (ش): وفيها ورد الخبر من بغداد بوفاة السلطان محمود بن محمَّد بن ملك شاه بن ألب رسلان في شوال بمرض حدث به، واستقرت السلطنة بعده لأخيه مسعود، وولاية العهد بعده لداود بن محمود، ثم لأخيه طغريل بن محمَّد، وسيأتي كل واحد منهما في موضعه، إن شاء الله تعالى.
(٣) هو ابن عم الوزير أبي علي المزدقاني، وقد سلفت أخبار الوزير، وانظر ص ٢١٣، ٢١٧، ٢١٩ من هذا الجزء.