للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم رحل يوم الخميس ثامن شعبان في سبعةِ آلاف فارس، وكان مسعود بهَمَذَان في ألفٍ وخمس مئة فارس، وكان أصحابُ الأطراف قد كاتبوا الخليفة، فتوقف في طريقه، فاستَصلَحَ مسعود أكثرهم حتى صار في خمسة عشرة ألفًا، وتسلَّل جماعةٌ من أصحاب الخليفة حتى صار في خمسة آلاف، ونفَّذَ إليه زَنْكي نَجْدةً فلم تلحق، وأرسل داود بن محمود إلى الخليفة وهو بأَذْرَبيجان، يشير أنَّ الخليفةَ ينزل الدِّينَور حتى يوافيه داود، فلم يقبل، واستعجل في ضرب المصافِّ.

فلما كان يومُ الاثنين عاشر رمضان التقوا، فجعل الخليفة على ميمنته البازدار وقزل وغيرهما، وفي ميسرته الأُمراء السِّلاحية، وكانت الوقعة [قريب] (١) من جبل بَهِسْتون (٢)، فحملت ميمنةُ الخليفة فكسرت ميمنةَ مسعود، فانهزموا ثلاثة فراسخ، ونادى مسعود: المال لكم والدَّم لي، ومن أقام بعد الوقعة من أصحاب الخليفة ضُرِبَتْ عُنُقُه. فغدرت ميسرةُ الخليفة، ومالت كلُّها إلى مسعود، وجاءت ميمنةُ الخليفة من وراء الميسرة، فوجدت الميسرة قد مالت إلى مسعود، فانهزموا لا يلوون على شيء، وأُسر المسترشد وأصحابه، وأُخذ ما كان معه من الأموال، وكانت على سبعين بغلًا في صناديق، أربعة آلاف ألف دينار، وكان رَحْلُه على خمسة آلاف جمل وأربع مئة بغل، فيها عشرة آلاف عِمامة، وعشرة آلاف قَبَاء وجُبَّة ودُرَّاعة، وعشرة آلاف قَلَنْسُوة مُذْهَبة، وثلاثة آلاف ثوب رومي وممزوج ودَبِيقي. ومضى من النَّاس ما قَدَّروه بعشرة آلاف ألف دينار سوى الخيل والأثاث، ولم يُقْتل بين الصَّفَّين سوى خمسةِ أنفس غَلَطًا، ونادى مسعود: مَنْ أقام مِنْ أصحاب الخليفة بعد الوقعة قَتَلْتُه. فهرب الناس، وتفرَّقوا في الجبال، وتخطَّفَهم الأكرادُ والتركمان، ووصَلَ مَنْ سَلِمَ منهم إلى بغداد عُراةً حُفاة، قد تَقَطَّعَتْ أَرْجُلُهم من الصَّخْرِ والحَفَاء، ومات أكثرهم، وحَمَلَ مسعودٌ الوزيرَ ابنَ طراد وابنَ الأنباري وابنَ طلحة وقاضي القضاة الزَّينبي ونقيبَ الطَّالبيين إلى القلعة معتقلين، ثُمَّ كَتَبَ مسعود كتابًا مع بكبة، وولَّاه شِحْنكية بغداد، وفي الكتاب عن لسان الخليفة إلى أستاذ الدَّار: ليعتمد الحسن بن جَهِير مراعاة الرَّعية، والاشتمال عليهم، وكفِّ


(١) ما بين حاصرتين من (ح).
(٢) جبل عالٍ مرتفع، قرب قرية بهستون، وهي بين همذان وحلوان، انظر "معجم البلدان": ١/ ٥١٥.