للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرحل إليهم جريدةً ليَكْبِسَهم، فانهزموا، فأخذ أموالهم، وسَبَقَ سديدَ الدولة] (١) إلى بغداد ليخبر بحالهم، فأعيد إليهم بالخِلَع والأموال والإقامات.

فلما كان يوم السبت حادي عشرة رجب تقدَّم الخليفة بإخراجِ مضاربه ومضاربِ أصحابه، وانزعج أهلُ بغداد، وبَعَثَ السُّلْطان دُبَيسًا في خمسة آلاف، فكَبَسَ المقدِّمة، وقَتَلَ منهم، فدخلوا بغداد عُراةً سادس عشرة رجب، فأنزلهم الخليفة دارَ السُّلْطان، وبَعَثَ إليهم بالأموال والخيل والإقامات والخِلَع، وأطلق لهم ثمانين ألف دينار، وقُطِعَتْ خُطْبة مسعود، وخُطِبَ لسنجر وداود، واستفتى الفقهاءَ في مسعود، وأنَّه خالف، فأفتوا بعَزْلِهِ وقتالِهِ، وخَرَجَ الخليفةُ في أُبَّهة الخِلافة، والخلائقُ يمشون بين يديه حتى نَزَلَ سُرادِقَه عند رؤوس الحيطان، ودَخَلَ الوزيرُ شرفُ الدِّين علي بن طِراد، وسديدُ الدَّوْلة بنُ الأنباري، وكمال الدين بنُ طلحة صاحِبُ المخزن على الخليفة، فقال له الوزير: يا مولانا، في نفسي شيءٌ لهل يُؤذنُ لي في المقال. فقال: قُلْ. فقال: إلى من نمضي، وبمن نعتَضد، وإلى من نلتجئ؟ ومقامنا ببغداد أصلح وأحوط لنا إذا قَصَدَنا [عدو] (١) كُنَّا مستظهرين، ولما خَرَجَ الحسين ﵇ من الحجاز إلى العراق جرى عليه ما جرى، ولو أقام بمكَّة ما اختلفَ عليه اثنان. فقال الخليفة لابنِ الأنباري: ما تقول أنتَ يا كاتب؟ فقال: الرأي ما رآه الوزير، والرأي المقام، وليتَ العراق تبقى ع لينا. فقال لصاحب المخزن: ما تقول أنتَ يا وكيل؟ فقال: في نفسي ما في نفسِ مولانا. وكان هو الذي حَمَلَه على الخروج، فأنشد المسترشد: [من الخفيف]

غيرَ أنَّ الفتى يلاقي المَنَايا … كالحاتٍ ولا يلاقي الهَوانا

وإذا لم يكنْ من الموتِ بُدٌّ … فمن العَجْزِ أَنْ تموتَ جَبَانا (٢)

فاسترجع القوم، وأيقنوا بالهلاك.


(١) ما بين حاصرتين من (خ).
(٢) البيتان للمتنبي من قصيدة مطلعها:
صحب الناسُ قبلنا ذا الزمانا … وعناهم من شأنه ما عنانا
وهي في "ديوانه": ٤/ ٣٧٠ - ٣٧٢، وفيه: فمن العجز أن تكون جبانا.