للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقطع السُّلْطان المَوْصل لآق سُنْقُر البُرْسُقي (١)، وأمره بتقديم زنكي والرُّجوع إليه في المهام، وعادَ إلى المَوْصِل، فتلقَّاه البُرْسُقي، وأَحْسَنَ إليه، وقدَّمه، -وكان زنكي في عساكر العجم يُعرف بالشَّامي- وسار البُرْسُقي إلى الرَّها، فقاتل أهلَها، فأنكى زنكي فيهم، وأبلى بين يديه بلاء حسنًا، وعاد البُرْسُقي إلى بغداد، وأقام زنكي بالمَوْصل وقد ظهر له صيتٌ عظيم.

ومات السُّلْطان محمد شاه بن ملك شاه، وولي بعده ابنه محمود، وجرى بينه وبين عَمِّه سنجر وقائع، ثم اصطلحا، وأقام زنكي إلى سنة ستَّ عشرة وخمس مئة، فأُقطع واسطًا والبَصرة، وقيل: أُعطي شحنكية البصرة، وخافه دُبَيس، واختلف المسترشد ودُبَيس، وسار البُرْسُقي مع الخليفة إلى دُبَيس وكسراه، وكان زنكي مع الخليفة، فأبلى بلاءً حسنًا، وأمر السُّلْطان محمود أن يرجع البُرْسُقي إلى الموصل، فأرسل إلى زنكي، وكان بالبصرة يطلبه ليسير معه، فقال زنكي لأصحابه: قد ضَجِرْنا مما نحن فيه، كلُّ يومٍ في بلد، اقصدوا بنا باب السُّلْطان محمود.

فسار من البصرة إلى السُّلْطان، فأكرمه، وكان يقف إلى جانب التَّخْت (٢) عن يمينه لا يتقدَّم عليه أحد، وهو مقامُ والده. ثُمَّ ولاه شحنكية بغداد، وقُتِلَ البُرْسُقي في جامع المَوْصل، وولاها مسعود بن البُرْسُقي، فلم يقم بها (٣)، فولاها السُّلْطان زنكي، فقام بها أحسنَ قيام، وفَتَحَ بلادًا كثيرة: إرْبل، وجزيرة ابن عمر، وسِنْجار، والرَّحْبة وغيرها، وعَبَرَ الفرات، فأخذ حلب وحماة وحمص وبَعْلَبَكّ، وعاد إلى الشَّرْق، ففتح دارا سنة أربعٍ وعشرين [وخمس مئة] (٤)، وفَتَحَ العَقْر وشوش سنة سبعٍ وعشرين (٥)


(١) وهم سبط ابن الجوزي، إذ إن السلطان محمدًا أقطع الموصل بعد مقتل مودود لجيوش بك، وجَهَّز آق سنقر البرسقي في العساكر لقتال الفرنج، ومن ثم قال في آخر الخبر: وعاد البرسقي إلى بغداد، وقد نبهنا على ذلك أيضًا في حاشيتنا رقم ٤ ص ٧٥ من هذا الجزء.
(٢) يعني تخت السلطان.
(٣) لم تطل أيام مسعود بن البرسقي، وقد توفي سنة (٥٢١ هـ)، وولي الأمر بعده أخوه الصغير، وقام بتدبير دولتيهما الأمير جاولي مملوك البرسقي، ثم ولي زنكي، انظر "الروضتين": ١/ ١١٥.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) كذا في (ع) و (ح)، وفي "الروضتين" ١/ ١٢٠ تسع وعشرين، وفي "الكامل": ١١/ ١٤، و"الباهر": ٤٨ ثمان وعشرين.