للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكَمْ له مِنْ وَقعةٍ يومُها … عند ملوك الشِّرْكِ مشهودُ

حتى إذا عادوا إلى مِثْلها … قالت لهم هَيبَتُهُ عُودُوا

مناقِبُ لم تكُ موجودةً … إلا ونورُ الدِّينِ موجودُ

وكيف لا نُثني على عَيشنا الـ … ــمحمودِ والسُّلْطانُ محمودُ (١)

وفيها فتح نورُ الدِّين حِصن فامية، وكان على أهل حماة وحمص منه ضررٌ عظيم، كانوا يشنُّون الغاراتِ منه على البلاد.

وكان جوسلين (٢) صاحب تل باشر، وأَعْزاز، وعين تاب، والرَّاوندان، ورَعْبان وكَفْرسود، وكَيسون، وبَهَسْنى، والبارة، ومَرْعَش، وكَفْرلاثا، وحصن منصور، وغيرها من الحصون شمالي حلب، وكان على المسلمين منه بلاءٌ عظيم، فجهَّز إليه نورُ الدين سِلَحْداره، وظهر عليهم جوسلين، وأَسَرَ السِّلَحْدار، وبعثَ به هديةً إلى صاحب الرُّوم ابن قَلِيْج رسلان (٣)، وقال: نفَّذتُ إليك سِلَحْدار صهرك، وسأبعث إليك بعد هذا غيره. وكان نور الدين قد صاهر ابن قليج رسلان، وبلغ نورَ الدِّين قولُه، فعزَّ عليه، فدسَّ جماعةً من التركمان وقال: من قدر منكم على جوسلين أعطيته من الأموال والبلاد منهما أراد. فجاءت طائفةٌ منهم فنزلوا في بلد عين تاب، وخرج جوسلين ليغار عليهم، فاستحسن منهم امرأة، فخلا بها تحت شجرةِ، وكَمَنَ له التركمان، فأخذوه أسيرًا، وكان نور الدين بحِمْص، فحملوه إليه، فأعطى من جاء به عشرة آلاف دينار، وكان أَسْرُهُ مِنْ أعظمِ الفتوح في الإسلام، لأنَّه كان شجاعًا مقدامًا غَدَّارًا، أغدر غير مرة بالمسلمين] (٤) ولما حصل بيد نور الدين أخذ منه جميعَ ما ذكرنا من القلاع والبلاد بعد ذلك، وأَمِنَ النَّاسُ شرَّه.


(١) انظر بعض أبيات القصيدة في "كتاب الروضتين": ١/ ١٩٩ - ٢٠٠.
(٢) أورد ابن الأثير في "كامله": ١١/ ١٥٤ أسر جوسلين في حوادث سنة (٥٤٦ هـ)، وساقه أبو شامة في "الروضتين": ١/ ٢٤٦ - ٢٤٧ في حوادث سنة (٥٤٥ هـ).
(٣) هو السلطان مسعود بن قليج رسلان السلجوقي ركن الدين، تولى السلطنة ما بين السنة (٥١٠ - ٥٥١ هـ)، انظر "معجم الأنساب" لزامباور: ٢١٥.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).