للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم حكيم احتُضر، فقال لولده وهو حاضرٌ عنده: يا بنيَّ، إنك وإن كنتَ وارثي وحدك، فليس لك جميعُ ما حَوتْه يدي، لأن عليَّ فيما أخلِّفُه ديونًا لإخوان من مكارمَ سبقت، لم يقبلوا مني مُجازاةً عليها؛ لاستغنائهم عنها، وقد كنتُ أُراعيهم خوفًا من تَحوُّل حال واحد منهم، فيحتاجُ إلى ما هو الآن عنيٌّ عنه، فيجدُ عندي مكافأته ذخيرةً له، وقد أثبتُّ أسماءَهم في دفترٍ، فإن لَحِقْتَ أحدَهم فأْتِه فاقضِ عني حقَّه كما يقضي الحُرُّ عارِفَةَ الحر، ثم استحلفه على ذلك وأَشهد عليه الحاضرين، ومات.

فإن قيل: فقد ذَكرتَ الفلسفةَ، فما معناها؟

فالجواب: أنها عندهم الإحاطة بمعرفة الحقائق والحكميات. والفيلسوف بالعربية معناه: محبُّ الحكمة. ويَدخُل فيها علمُ النجومِ والطب والهندسة والحساب وتأليف الألحان، والهندسةُ دون الفلسفة لأنها تختصُّ بمعرفة مقادير الأرض، والأبنية، ومجاري المياه، وغَرْسِ الأشجار، وآلاتِ الصنائع وتركيبها.

فإن قيل: فما الذي يَعتمدُ عليه هؤلاء الحكماءُ من العقائد؟

فالجواب: أن لهم مذاهبَ، منها: أن الأرواح عندهم باقية، والفساد والكون إنما يَلحقان الجسدَ، ومكانُ الروح من الجسد مكانُ النار من الفَحْم، وأن الروح جسمٌ لطيف متداخل في هذا الجسد الكثيف، فالروح بلطافته يحرك الكثيف ويستعمله.

ومن مذاهبهم: أن العالم الأرضي متصل بالعالم السماوي، وأن الفَلَك يَتدوَّرَ بحركة مستديرة فتتحرك له الكواكب، فيحدُث بتحريكها في هذه الأجسام الاستحالات، فيقع الكون والفساد. قالوا: وفسادُ كلِّ شيء كونُ شيءٍ آخر، كالخشب الذي يحترقُ بالنار فيصير فحمًا.

قال المصنف : والغالب على علومهم الحَدْس والتخمين لا التحقيق واليقين، فإن أسرارَ البارئ المخفيّاتِ، وأمورَه المغيَّبات، لا مجالَ فيها للظنون. وأقرب علومهم إلى الصحة علومُ الهندسة، فإنها مبنية على الحساب، وولى ذكرتُ منها ها هنا جُملة لا يُستغنى عنها.

قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ﴾ [المؤمنون: ١١٣] فأقول: الأعدادُ أربعة: آحاد،