فسقطت جُثَّتها ناحية ورأسها ناحية، فترك النَّسخ وبكى. فقلتُ: يا سيدي، ما يبكيك؟ قال: أخشى أن يتأذى قلبي من رجل مُسْلم، فيصيبه مثل ما أصاب هذه الفأرة.
وقال الشيخ عمر بن مسعود البزاز: كان سيدي الشيخ عبد القادر ﵁ يومًا يتوضأ في المدرسة، فبال عليه عصفور، فرفع رأسه إليه وهو طائر، فسقط ميتًا، فلما أَتَمَّ وضوءه غَسَلَ موضع البول من الثوب، وخلعه وأعطانيه، وأمرني أن أبيعه وأتصدَّق بثمنه، وقال: هذا بهذا.
وقال أبو اليُسْر عبد الرَّحمن بن عبد الله: كان عبد الصَّمد بن همَّام من العدول ذوي اليسار والثروة، وكان شديدَ الانحراف عن سيدنا الشيخ محيي الدِّين رحمة الله عليه، والإنكار لما يُحكى عنه من الكرامات مع الانقطاع عنه بالكُلِّية، ثم لازمه ملازمةً شديدة، فعَجِبَ النَّاس من ذلك، فسألته بعد وفاة الشيخ عن سبب ذلك، فقال: كنتُ لقِلَّة سعادتي أولًا على ما تعلم مني، فاتفق أني اجتزت يومًا بمدرسة الشيخ، والصلاة قد أُقيمت، فقلتُ في نفسي: أُصلِّي بسرعة وأُزيل ما بي -وكنتُ حاقنًا- فدخلت، ووجدت إلى جانب المنبر الذي يجلس عليه الشيخ خِلْوًا، فصلَّيتُ فيه وأنا لا أشعر أنَّه يوم المجلس، وتكاثَرَ النَّاسُ لحضور المجلس تكاثرًا منعني من التصرُّف في نفسي والخروج من مكاني، وتزايد ما بي من الاحتياج إلى الخلاء، وصَعِدَ الشيخ إلى المنبر، وقد كِدْتُ أتلف، فتضاعَفَ ما بي من بُغْض الشيخ ذلك الوقت، وتحيَّرت في نفسي، وكدت أُحْدث في ثيابي، ثم قلت: أفتضح بين النَّاس، ويشم مني رائحة خبيثة، فعاينت في ذلك الموت، فبينا أنا مفكر في أمري إذْ نزل الشيخ من المِنْبر درجات، وأَسْبل كُمَّه على رأسي، فرأيت نفسي في روضة خضراء بفلاةٍ من الأرض، وماء جارٍ، فأزلتُ ما بي، وتوضَّأتُ للصَّلاة، وصلَّيتُ ركعتين، ثم رفع الشيخ كُمَّه عن رأسي، وإذا أنا تحت المنبر على حالي، وقد زال ما بي جميعه، فكَثُرَ تعجُّبي من ذلك جدًّا، ووجدتُ أطرافي رطْبةً من أثر الوضوء، فتحيَّرْتُ في أمري، وذَهَلَ عقلي، فلما انقضى المجلس قمت، ففقدت منديلي، ومفاتيحُ صندوقي فيه، وطلبتُ ذلك في موضعي الذي كنت قاعدًا فيه، وفيما يليه، فلم أجده، فمضيتُ إلى منزلي، وأحضرت صانعًا فتح صندوقي، وعمل له مفاتيح، وكنتُ في ذلك الوقت على عَزْمٍ إلى عراق العجم لمهمٍّ