وقال الشيخ عمر البزاز: كانت الفتاوى تأتيه من بلاد العراق وغيره، وما رأيناه تبيتُ عنده فتوى ليطالع عليها أو يفكر فيها، بل يكتب عليها عقيب قراءتها، وكان يفتي على مذهب الإمام الشَّافعي وأحمد رحمهما الله، وتعرض فتاواه على علماء العراق، فما كان تَعَجُّبهم من صوابه أشدَّ من تعجُّبهم من سُرْعة جوابه فيها، وكان من اشتغل عليه في فنٍّ من الفنون الشَّرعية افتُقِرَ إليه فيه، وساد على أقرانه.
وقال الشيخ عبد الرَّزَّاق: جاءت فتوى من العَجَم إلى بغداد بعد أن عُرِضَتْ على علماء العراقَيْن: عراقِ العجم وعراق العرب، فلم يتضح لأحدٍ منهم جوابٌ شافٍ، وصورتُها: ما يقول السَّادة العلماء في رجلٍ حَلَفَ بالطَّلاق الثَّلاث أَنَّه لا بُدَّ له أن يعبد الله ﷿ عبادةً ينفرد بها دون جميعِ النَّاس في وقتِ تَلَبُّسِهِ بها، فما يفعل من العبادات؟ فأُتي بها إلى والدي، فكتب عليها على الفور: يأتي مكة ويخلى له الطَّواف، ويطوف أُسبوعًا وحده، وتنحل يمينه. فما باتَ المستفتي ببغداد.
وقال الخضر بن أبي العَبَّاس المَوْصلي: سمعتُ أبي يقول: رأيتُ في النوم ببغداد بمدرسة سيدنا الشيخ عبد القادر ﵁ في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة مكانًا عظيم السَّعَة، وفيه مشايخ البر والبحر، وسيدنا الشيخ عبد القادر في صدرهم، ومن المشايخ مَنْ على رأسه عِمامة فحسب، منهم من فوق عِمامته طرحة، ومنهم من فوق عِمامته طَرْحتان، وفوق عِمامة سيدنا الشيخ محيي الدين ثلاث طَرَحَات، فبقيت في النوم مفكِّرًا في تلك الطَّرحات الثلاث، ما هُنَّ؟ واستيقظتُ، فإذا به قائمٌ على رأسي، فقال: طرحة تشريف علم الشَّريعة، وطرحة تشريف علم الحقيقة، وطرحة الشَّرف.
وقال الشيخ علي بن الهيتي: زرت مع سيدي الشَّيخ عبد القادر والشَّيخ بقاء بن بطو قبر الإمام أحمد رحمة الله عليه، فشهِدْتُه خرج من قبره، وضمَّ الشَّيخ عبد القادر إلى صدره، وألْبسه خِلْعة، وقال له: يا شيخ عبد القادر، قد افتُقِرَ إليك في عِلْم الشَّريعة، وعلم الحقيقة، وعلم الحال.
وقال أبو نَصْر بن عمر البغدادي المشَّاء المعروف بالصَّحراوي: سمعتُ أبي يقول: استدعيتُ الجان مرَّة بالعزائم، وأبطأت إجابتهم أكثر من عادتي، ثمَّ أتوني، وقالوا: لا تعد تستدعينا إذا كان الشيخ عبد القادر يتكلَّم على النَّاس. فقلتُ: ولم؟ قالوا: إنَّا