المكاشفين، فإذا هو من أجلِّهم، وسيظهره الله مظهرًا لا يظهر فيه إلا الصِّدِّيقون المُؤَيَّدون العلماء بالله تعالى، وهو ممن يُقْتدى بأفعاله وأقواله، وسوف يرفع الله ببركته خَلْقًا من العباد إلى الدَّرجات العُلى، وهو ممن يباهي الله به الأمم يوم القيامة.
قلتُ: وكان الشيخ أبو بكر بن هوار - رحمة الله عليه - عظيمَ القَدْر، كبيرَ الشَّأْن وإليه ينتمي أكثر أعيان مشايخ العراق، وتتلمذ له خَلْق كثير لا يحصون من أرباب المقامات الرَّفيعة، وكان جميلَ الصِّفات، شريف الأخلاق، كامل الآداب، كثيرَ التَّواضع، شديدَ الاقتفاء لأحكام الشَّرْع، مكرِّمًا لأهل السُّنَّة والدِّين، دائم المجاهدة، لازم المراقبة إلى الرَّبِّ، وله كلامٌ عالٍ في علوم المعارف.
قال الشيخ أبو محمَّد الشَّنْبكي: كان شيخنا أبو بكر بن هوار شاطرًا، يقطع الطَّريق بالبطائح، ومعه رفقاء هو مقدَّمهم، فسمع ليلةً امرأةً تقول لزوجها: انزل ها هنا لئلا يأخذنا ابن هوار وأصحابه. فاتعظ وبكى، وقال: الناس يخافوني وأنا لا أخاف الله تعالى. وتاب في وقته ذاك، وتاب معه أصحابه، وانقطع مكانه متوجِّهًا إلى ربِّه على قدم الصِّدق والإخلاص في إرادته، ووقع في نفسه أن يُسَلِّم نفسه إلى من يُوصله إلى رَبِّه ﷿، ولم يكن يومئذٍ بالعراق شيخٌ مشهور، فرأى في منامه رسولَ الله ﷺ، وأبا بكر الصِّدِّيق ﵁، فقال: يا رسولَ الله، ألبسني خِرْقة، فقال له: يا ابن هوار، أنا نبيُّك وهذا شيخك، وأشار إلى الصِّدِّيق رضوان الله عليه، ثمَّ قال: يا أبا بكر، ألبس سَمِيَّك ابن هوار. فألبسه الصِّدِّيق ﵁ ثوبًا وطاقية، ومَرَّ بيده على رأسه، ومسح على ناصيته وقال: بارك الله فيك، وقال له رسولُ الله ﷺ: يا أبا بكر، بك تحيا سنن أهل الطريق من أمتي بالعراق بعد موتها، ويقوم منار أربابِ الحقائق من أحباب الله تعالى، وفيك تكون المشيخة بالعراق إلى يوم القيامة، وقد هَبَّت نسمات الله بظهورك. ثمَّ استيقظ، فوجد الثوب والطَّاقية عليه، وكانت على رأسه ثواليل، فلم يَرَها، وكأنَّه نودي في العراق أن ابنَ هوار وصل إلى الله ﷿، فأهرع إليه الخلق من كل قطر، وبَدَتْ علامات قُرْبه من الله تعالى، وترادف إخباره عن ربه ﷿، وكنت آتيه وهو في البطيحة وحده، والأُسْد مُحْدقةٌ به، يتمرَّغ بعضُها على قدميه.