وقال الشيخ أحمد بن أبي الحسن الرفاعي: سمعت خالي الشيخ منصور يقول: أول من ذلَّل الأُسد والحيَّات لأهل البطائح الشيخ أبو بكر بن هوار، وسبب ذلك أنَّه أراد أن يرحل إلى مكة، فأحدقت به الأفاعي والحَيَّات والكواسر من الطُّيور والجن، وسأَلَتْه بالله العظيم أن لا يرحل عنهم، فأخذ عليهم أن لا يؤذوا مريدًا له ولا محبًّا إلى يوم القيامة.
وقال الشيخ عزاز بن مستودع: الشيخ أبو بكر بن هوار أول المشايخ بالعراق بعد مضي السَّلف، وكانت الأنوار تُرى تخترق البطائح من كَثْرة ما يَطْرُقها رجالُ الغيب لزيارته، وكان مجابَ الدَّعوة، وكان ظاهر التَّصريف، إذا أجدبت قريةٌ أتاه أهلُها يشتكون إليه الجَدْب، ويسألونه الاستسقاء، فيقول لهم: أدركوا أهلكم. فما يلحقون بيوتهم حتى يخوضوا في ماء المطر، ولا يعدو المطر تلك القرية.
وزُلزلت واسط مرة زلزالًا شديدًا رجَّت منه الجبال، وتساقط البُنْيان، وضجَّ النَّاس بالصُّراخ، فإذا الشيخ أبو بكر بينهم، وبينه وبين واسط أيام، فسكن الزَّلْزال، وطلبوه فلم يروه. وكان بواسط يومئذٍ رجلٌ صالح، فرأى في منامه تلك الليلة مَلَكين نازلَين من السَّماء أحدهما يقول للآخر: كادت هذه الأرض أن تذهب اليوم. فقال له صاحبه: وما أمسكها؟ قال: إنَّ الله تعالى نَظَر إلى ابن هوار، فرحم الخَلْق، وأَذِنَ في تسكين الزَّلزال.
وقال الشيخ أحمد بنُ أبي الحسن الرِّفاعي: أتتِ امرأةٌ إلى الشيخ أبي بكر بن هوار، وقالت له: إنَّ ابني غرق في الشَّطِّ، وليس لي سواه، وأنا أُقسم بالله ﷿ أنَّ الله أقدرك على رَدِّه عليَّ، فإن لم تفعل شكوتك غدًا إلى الله ورسوله، وأقول: يا ربّ، أتيته ملهوفة، وكان قادرًا على رَدِّ لهفتي، فلم يفعل. فأَطْرق، ثمَّ قال: أرني أين غَرِقَ ابنُك. فأتت به إلى الشَّطِّ، فإذا ابنها قد طفا على وَجْه الماء ميتًا، فسبح الشيخ في الماء حتى وصل إليه، وحمله على عاتقه، وأعطاه لأُمه، وقال: خُذيه، فقد وجدته حَيًّا، فانصرفت وهو يمشي معها، ويدُه في يدها، كأَنْ لم يكن به شيء قَطُّ.
قلتُ: وكان الشيخ أبو محمَّد الشَّنْبكي جليلَ القَدْر، انتهت إليه الرياسة في تربية السَّالكين الصَّادقين بالعراق، وكَشْف مشكلاتهم، وتخرَّج بصحبته غيرُ واحد من العظماء مثل الشيخ أبي الوفاء، والشيخ منصور، والشيخ عزاز وغيرهم، وكان لطيف الصِّفات، وافر العقل، مخفوض الجناح، شديد الحياء، دائبًا في اتِّباع أحكام الشَّرْع