للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآداب السنة، وله كلامٌ نفيس في الحقائق، وكان يقطع الطَّريق، ثُمَّ تاب على يد ابن هوار، وأقام عنده ثلاثة أيام، فقال ابنُ هوار في اليوم الرَّابع: قد صرتَ شيخًا مكمَّلًا، ثمَّ قال لأصحابه: قد وصل أبو محمَّد إلى الله تعالى في ثلاثة أيام، فقال: تركتُ الدُّنيا في اليوم الأوَّل، والآخرة في اليوم الثَّاني، وطلبتُ الله في اليوم الثالث طلبًا مجرَّدًا عما سواه، فوجدته.

واشتهر أمره في الآفاق، فظهرت أمارات قُرْبه من الله ، وتتابعت كراماته، فكان يبرئ اللهُ تعالى بدعوته الأكمه والأبرص والمجنون، ويبارك له في اليسير.

قلت: إنما قصدتُ بذكر بعضِ مناقب ابن هوار والشَّنْبكي - رحمة الله عليهما - ليُعلم محلّهما، ويتمسك بقولهما في حَقِّ سيدنا محيي الدِّين حسبما تقتضيه شهادةُ مثلهما، وإنْ كان ليس هذا موضع استقفاء أحوالهما.

وقال الشيخ عبد اللَّطيف: سمعتُ أبي يقول: سمعت الشيخ عزاز بن مستودع البطائحي، يقول: قد دخل بغداد شابٌّ عجمي شريف، اسمه عبد القادر، ستبرز في هيئته المقامات، وتظهر في جلاله الكرامات، ويسطو بعِزَّة الحال، ويعلو في رفعة المحبة، ويُسَلِّم إليه الكون وجميع من فيه من الفاضل والمفضول يده، وله قدمٌ راسخة في التمكين، تقدم بها في القدر، ويد بيضاء في الحقائق امتاز بها في الأزل، ولسان بين يدي الله ﷿ في حضرة القُدْس، وإنه من أرباب المراتب التي فاتت كثيرًا من الأولياء.

قلتُ: كان الشيخ عزاز من أعيان مشايخ العراق، اجتمع إليه جماعةٌ من الصُّلحاء وذوي المراتب، وأخذوا عنه علم الطَّريقة، وانتفعوا به، وكان جميلَ الأوصاف، متَّبعًا لأحكام الشَّرْع والسُّنَّة، مفوِّضًا لأحكام الله، مُسْترسلًا مع أقداره، كثير المجاهدة والمراقبة والمعانقة لطريق السَّلف في السِّرِّ والجَهْر، وله كلامٌ عالٍ على لسان أهل المعارف، وكراماتٌ ظاهرة، وكانت الجن تكلِّمه، والأُسْد تأنس به، والوحوش تألفه، والطير تأوي إليه، وكان يقول: من أَنِسَ بالله أَنِسَ به كلُّ شيء، ومن خاطبه الله تعالى