خاطبه كلُّ شيء، ومَنْ هاب الله هابه كلُّ شيء، ومَنْ وَصَلَ إلى الله تأخَّر عنه كلُّ شيء إجلالًا لي، ومَنْ عرف الله جهله كل شيء بعظيم ما أودعه.
وقال الشيخ عبد اللَّطيف: كان الشيخ عزاز يمشي بين النخل، فاشتهى الرُّطَب، فتدالَّت له عراجين النخل، فأكل منها، ثمَّ عادت إلى حالها.
قال: ومرَّ بأسد قد افترس شابًّا بالبطيحة، وقد قضم ساقه نصفين، فصاح عليه، فولَّى منهزمًا، فتناول الشيخ من الأرض حصاةً قدر الفولة، وحذفه بها، فخرَّ ميتًا، ثمَّ جاء إلى الشَّاب، ووضع ما انكسر من ساقه في موضعه، وأَمَرَّ عليه يده، فإذا هو سويٌّ، فقام يعدو إلى أهله، ومات الشيخ بعد ذلك بيسير.
قلت: كان الشيخ منصور من سادات المشايخ، صاحب حال، ومقامات وكرامات ظاهرة، ومواهب باهرة، كانت أمه تدخل وهي حامل به على شيخه الشيخ أبي محمَّد الشَّنْبكي، وكان بينها وبينه نسب، فنهض لها قائمًا، ونَكِرَتْ منه ذلك، وسُئِلَ عنه فقال: إنما أقوم للجنين الذي في بطنها إجلالًا له، فإنَّه أحدُ المقرَّبين إلى الله تعالى أصحاب المقامات، وله شأنٌ عظيم.
قلت: وكان الشيخ منصور جميلًا بهيًّا، كاملَ الآداب، معانقًا طريق السَّلف والاسترسال مع أحكام الله ﷿ في الشِّدَّة والرخاء، لم يَكْبُ جوادُ طريقه، وكان مجابَ الدَّعوة، وله كلامٌ جليل في علوم الحقائق.
وقال الشيخ علي بن الهيتي: أتاه رجلٌ من مِصْر، وقال له: يا سيدي، قد هاجرتُ إليك من مصر، وتركت مالي وولدي، ووطني وجاهي رغبةً في صُحْبتك. فنفخ الشيخ منصور في صَدْر الرَّجل، فأضاءت في قلبه برقة كشفت له عن الملكوت الأعلى، وقال له: هذه بتركك المال والولد والوطن. ثمَّ نفخ في صدره بعد شهر، فمحقت منه البقايا، وانتسخت منه الحظوظ، وقال له: هذه بتركك الجاه والرِّياسة. ثمَّ نفخ في صدره بعد شهر، فأشهد مقامه بين يدي الله ﷿، وأقيم فيه، وقال له: هذه بهجرتك إليَّ. ثمَّ قال له: يا هذا، إني استوهبتك من الله ﷿، وقد وهبك لي، وصرَّفني فيك، وجعل عطيتك على يدي، وهذه غايتك التي أنت عندها قائم. ولم يزل هذا الرجل على هذا الحال إلى أن توفي بالبطائح.