للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه- مطمحًا للأبصار، وعنوانًا لولاةِ الضَّواحي والأمصار، وتاجًا على رؤوس الموالي والأنصار، وأَرْبى به على كلِّ مجد، ووَسَّطَ به كل عِقْد، وأَسْلَفه من النِّعم الشَّريفة في هذا الأمد القصير من التنويه والتنويل، ما لا يُدْرك في المساعي العظيمة في الزَّمان الطويل، بحُسْن فراسةٍ فيه، وجميلِ ظَنٍّ به، وبصيرةِ الرأي في اصطفائه، واستزكاء لمغارس الصُّنْع عنده، فلا ينبغي له مع هذه المزايا التي أصبح بفخرها نابهًا، والعطايا التي أضحى في نعمائها دون الأنام فاكهًا، أن يُصالت من أصلته دون كل سَيفٍ مغمد، وأشبَّ ناره دون كلِّ وقود مخمد، ولا يحملنَّ صلاحُ الدين -أدام الله علوَّه- هذا العِتابَ اللطيف، والإبداء والإعادة في التأنيس والتوقيف على صورةٍ ملجئة إليه، ولا حافر باغيةٍ عليه، بل مجرَّد حرص الديوان على استضواء أقباسه، واستثمار أغراسه، وإلا فإنَّ وراء كتبه كتائب تغصُّ الفضا، وتنصُّ القضا، قوية السُّطا، موصولة السيوف بالخُطَا، بأسهم شديد، وقلوبهم تحت الحديد حديد، غانين بالكثرة والأَيد، عن دقيق الحِيل والكيد، يقارعون على الحَقّ، ويغيرون على الموت في سبيله، والآن فلا يكونن قول هذا مستدعيًا للمناقضة، ومفتاحًا للمعارضة، فإنِّي أعلم أَنَّ عنده بسعادته أذهانًا صقيلة، وألسنة قؤولة، وأقلامًا في هياج الاحتجاج صؤولة، لكن لسنا في تحاسين الأقوال، وتلافيق المِراء والجدال، والاستباق في مضمار الكلام، وإنما نحن في معاظم، وتسكين ثوائر، وإطفاء نوائر، وتمهيد أمر مائر، وحدٍّ لا يجوز فيه التجوز، ولا يصلح فيه إلا الإنصات إلى الحق والإنصاف في الحكم به، وأنا معذور، بل مشكور على تشقيق المقال في هذا المعترك من وجوه كثيرة، منها: مذهبي في الصِّدق، وإدارة إرادتي على نَهْجِ الحق، وإنني في هذه السعادة جئت على فَتْرَةٍ من الرُّسُل، وتراخٍ من الكتب، وثائرٍ من القلوب، ولم أجد لإدمال هذه الجراح على أصل الصحة والصَّلاح، إلا بالقول المحض، والصِّدْق الصراح، وربما أُتَّهمُ في قول هذا بإغراقي في النَّصيحة، وكَشْفي الأغطية، وقديمًا وقَعَ ذلك لكلِّ مصلح، وقد يستفيد الظِّنَّةَ المنتصح، ولكن مقامي هذا لا يحتمل اللَّجْلَجة والمسايرة دون المصارحة والمظاهرة، والانتهاء إلى الغاية التي توجبها الأمانة، وكفانا بالتعيين في هذه السِّفارة على تاج الدين -أدام الله علوه- فإن الله سبحانه امتنَّ على الأُمم بابتعاث الرسل إليهم