فارس إِلَى نابُلُس، فركب أَيُّوب، والتقاهم، فخدموه، وقالوا: طَيِّبْ قلبك، إِلَى بيتك جِئْتَ. فقال: لا ينظر ابنُ عمي إِلَى ما فعلت، فما زالت الملوك كذا، وقد جئتُ إليه أستجير به. فقالوا: قد أجارك، وما عليك بأس. وأقاموا أيامًا حول الدَّار، فلما كان فِي بعض الليالي ضربوا بوق النَّفير، وقيل: جاءتِ الفرنج. فركب النَّاس، ومماليكُ الصَّالح، ووصلوا إِلَى سَبَسْطية، وجاء عماد الدين والظهير والعسكر إِلَى الدَّار، ودخل عليه الظَّهير، وقال: تطلع إِلَى الكَرَك، فإنَّ ابنَ عَمِّك له بك اجتماع. وأخذ سيفه، [(١) وبلغني] أَنَّ جاريته كانت حاملًا، فأسقطتْ، فأخذوه، وتوجَّهوا إِلَى الكَرَك.
قال المصنِّف ﵀: ولما اجتمعتُ به فِي سنة تسع وثلاثين بالقاهرة حكى لي صورةَ الحال، قال: أركبوني بغلةً بغير مهماز ولا مقرعة، وساروا بي إِلَى البرية فِي ثلاثة أيام، والله ما كلَّمْتُ أحدًا منهم كلمة، ولا أكلتُ لهم طعامًا حتَّى جاءني خطيبُ البرية، ومعه ثردة عليها دجاجة، فأكلتُ منها، وأقاموا بي فِي البرية يومين، ولم أعلم أيش كان المقصود، وإذا بهم يريدوا يأخذوا طالعًا نحسًا، يقتضي أنني لا أخرج من الكَرَك، ثم أدخلوني الكَرَك ليلًا على الطَّالع الذي كان سبب سعادتي ونحوسهم، ووكل بي مملوكًا له فَظًّا غليظًا، يقال له: زريق، فكان أَضَرَّ عليَّ مِنْ كلِّ ما جرى، فأقمت عندهم إِلَى رمضان؛ سبعة أشهر، ولقد كان عندي خادمٌ صغير، فاتَّفق أَنَّه أكل ليلة كثيرًا، فأتخم، وبال على البسط، فأخذت البساط بيدي والخادم، وقمتُ من الإيوان إِلَى قريب الدِّهْليز، وفي الدِّهْليز ثمانون رجلًا يحفظوني، وقلتُ: يَا مقدَّمين، هذا الخادم قد أتلف هذا البساط، بالله انزلوا به إِلَى الوادي، واغسلوه. فَنَفَر فيَّ زريق، وقال: أيش جاء بك إِلَى ها هنا. وصاحوا عليَّ، فعدتُ إِلَى موضعي. وحكى لي أشياء من هذا الجنس.
ثم إنَّ الوزيريَّ أطلع خزائنه وخيله وأسبابه إِلَى الصَّلْت، وأقام مماليكه بنابُلُس، ووصل العلاء بن النَّابلسي من مِصْر من عند العادل إِلَى النَّاصر يطلب الصَّالح، ويعطيه مئة أَلْف دينار، فما أجاب، وكاتبه إسماعيل وصاحب حِمْص فِي هذا المعنى، فما أجاب، ولما طال مقامه أشار عمادُ الدِّين بنُ موسك وابن قليج والظَّهير على النَّاصر بالاتفاق معه وإخراجه، فتحالفا واتَّفقا، وأخرجه فِي آخر رمضان.
(١) فِي (ت): وقيل إن جاريته، والمثبت ما بين حاصرتين من (ش).