للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجبل، فأرى لك أن تأمرَ بالإبل فلا تُسقى ولا تَرعى وتُعْقَل، وتجعلَ الذَّراري وراء ظهورنا، وتأمرَ الرَّجَّالة يأخذون بأذناب الإبل، فإذا دخلوا الشَّعب، حلَّت الرَّجالةُ عُقل الإبل، ثم لزمت أذنابها فتنحدِر عليهم، وتحنُّ إلى مرعاها وورودِها الماءَ، فلا يردُّ وجوهَها شيء، وتخرج الفرسانُ في إثْر الرجَّالةِ الذين خلف الإبل، فتَحطِمُ ما لَقيتْ، فقال: نِعْمَ ما رأيت.

وأقبل لقيطٌ والملوكُ معه، فوجد بني عامر قد دخلوا شِعبَ جَبَلة، فنزلوا على فم الشِّعب، فقال لهم رجل من بني أَسد: خُذوا عليهم فمَ الشِّعْب حتَّى يجوعوا ويعطشوا، فإنهم يتساقطون عليكم تساقُطَ البَعر من اسْت الجمل، فأبَوْا، ودخلوا، وكانوا قد عَقَلوا الإبلَ اثنتي عشرة ليلةً لم تَطعَم، ولم تشرب، وحلَّت الرَّجَّالة عُقُلَها، فأقبلت تهوي، فسمع القوم دويَّها في الشعْب، فظنوا أنَّ الشِّعَب قد تَدَهْدى عَلَيهم، والرَّجَّالةُ خلفَها، والفرسانُ في إثْرِهم، فانهزمَ القومُ لا يَلْوُون على شيء، وقُتِل لقيطُ بن زُرارة، وأُسِر أخوه حاجب، أسره ذو الرُّقَيْبَة، وأَسر عروةُ الرَّحَّال سنانَ بنَ أبي حارثة، فجزَّ ناصيته، وأَطلقه، وقُتل معاوية بن الجَوْن، وأَسر قيس بنُ المُنتَفِق عمرو بنَ أبي عمرو ابن عُدُس، فجزَّ ناصيتَه، وأطلقه طَمعاً في المكافأة، فلم يفعل، وقُتل جماعةٌ من سَرَوات النَّاس منهم: مُنْقذ بن طَريف الأَسدي، ومالك بن رِبْعي بن جندل بن نَهشل، وأكثر الشعراء في يوم جبلة، قال جرير: [من الطَّويل]

كأنَّك لم تَشهد لقيطاً وعامراً … وعَمرو بنَ عَمرو إذ دعا يا لَدارِم

ويومَ الصَّفا كنتُم عَبيداً لعامرٍ … وبالحَزْن أصبحتُم عبيدَ اللَّهازمِ (١)

وقال المعَقِّر البارِقي: [من الطَّويل]

أَمِن آلِ شَعثاءَ الحُمولُ البَواكرُ … مع الصُّبح أم زالَتْ قُبَيلُ الأَباعِرُ

وحلَّتْ سُليمى (٢) في هِضاب وأيْكةٍ … فليس عليها يومَ ذلك قادِرُ

وصَبَّحها أملاكُها بكتيبةٍ … عليها إذا أمسَتْ من الله ناظِرُ

معاويةُ بنُ الجَوْن ذُبْيانُ حولَه … وحسَّانُ في جَمْع الرِّباب مُكاثِرُ


(١) العقد ٥/ ١٤٣، وهما في النقائض ٤٠٩ - ٤١٠.
(٢) في النسخ: فحلت وجالت، والمثبت من العقد ٥/ ١٤٤، والنقائض ٦٧٦، والأغاني ١١/ ١٦٠.