للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكأني بخالِك حُذيفة بنِ بدر قد جاءك، وعَصر عينيه وقال: هلك سيّدُنا، ثم خدعك حتَّى تدفعَهم إليه فيقتلَهم، ولا تَشْرُفُ بعدها أبداً، فلما مات سُبَيع، جاء حُذيفة، فخدع مالكاً، وأخذ الغِلْمة فقتلهم، فكان كل يوم يُخرج واحدًا واحدًا، ويقول: نادِ أباك، فيناديه، فينصبه غَرَضًا ويقتله (١).

ومنها يوم حَليمة، وحَليمة بنتُ الحارث بن أبي شمِر الغساني، وكان بين الحارث وهو ملك الشام، وبين المُنذر بن ماء السماء ملك العراق، سار المُنذرُ بعرب العراق إلى الشام، فالتقيا بمشاريق الشام، وكان يومًا عظيماً لم يكن في أيّام العرب مثلُه، ارتفع الغبارُ حتَّى سدَّ عين الشَّمس، وظهرت الكواكبُ في وَسط النهار، وزاد الفريقان على أربع مئة ألف، فخرجت حليمةُ كاشفةً رأسَها في المعركة تُحرِّض النّاس.

وفي هذا اليوم للعرب أمثالٌ منها: ما يوم حَليمةَ بسِرّ، أي: ليس بمخفيّ، ومنها: لأُرينَّك الكواكبَ نهارًا، ومنها: أعزُّ من حَليمة (٢).

وفي المثل: ما يوم حليمة بسرّ؛ يُضرَب لكلِّ أمرٍ متعالَمٍ مشهور، وجَّه أبوها جيشاً إلى المُنذر بن ماء السماء، فأخرجتْ لهم طِيْباً في مِرْكَن، فطيَّبَتْهم، فنُسب اليوم إليها، وكانت الدائرةُ على المُنذر قُتل في ذلك اليوم، وانهزمت جيوشُ العراق، ولم يتبعهم الحارث، فماتوا في البرية عطشاً وجوعاً.

ومنها يوم حَوْزة، كان بين معاوية بن عمرو بن الشَّريد السُّلَمِي وبين هاشم بن حَرْمَلة أحد بني مُرَّة بن غَطفان كلام بعُكاظ، فقال له مُعاوية: والله لوَدِدتُ أني لو سمعتُ الظَّعائنَ يَندُبْنَك، فقال له هاشم: وأنا والله وَدِدتُ أني قد تَرَّبتُ الرَّطْبة، وهي جُمَّة معاوية، وكانت تَنْطِفُ دُهْناً وإن لم تُدهَن، ثم تهيَّأ معاوية ليغزو هاشماً، فقال له أخوه صخر: كأني والله بك وقد تَعلقَ بجُمَّتك حَسَكُ العُرْفُط، فلم ينته، وغزاهم يوم حَوْزةَ الأول، فخرج إليه هاشم وكان ناقِهاً من مرض، فقتل معاوية.

وأمَّا اليومُ الثَّاني؛ فإنَّه لما قُتِل معاويةُ، قتل خُفاف بن نُدْبَة مالكَ بنَ حمار الفَزاري بمعاوية وقال: [من الطَّويل]


(١) العقد ٥/ ١٥٤ - ١٥٥.
(٢) الكامل ٨٣٤، وجمهرة الأمثال ٢/ ٢٣٣، ومجمع الأمثال ١/ ٤٥ و ٢/ ٢٧٢.