للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بني يربوع، فشدَّ أبو حَنش على شُرحبيل فقتله، وكان شُرحبيل قد قتل ابنَه حَنشاً، وبعث أبو حَنش برأس شُرحبيل إلى سلمة مع عَسيف له، وخاف أبو حَنش من سلمة أن يَحمله بنفسه، فلما حصل الرأسُ بين يَدَيْ سلمة، دمعت عيناه وقال للعَسيف: أنت قتلتَه؟ قال: لا، وإنَّما قتله أبو حَنش، فقال سلمة: أنا أدفع الثَّواب إلى قاتِله، وجاء العَسيفُ فأخبر أبا حنش، فخاف فهرب، فقال سلمة: [من الوافر]

تَعلَّم أن خير النّاسِ طُرّاً … قتيل بين أحجارِ الكُلاب

تَداعتْ حوله جُشَمُ بنُ بَكر … وأَسلَمَه جَعاسيسُ الرِّبابِ (١)

وأمَّا الكُلاب الثَّاني: أغار بنو تميم على لَطِيمة (٢) لكِسْرى، فيها مِسْك وعَنْبر وجوهر كثير ومالٌ عظيم، فأخذوها، فأوقع بهم كِسْرى في هَجَر، فأخذ الأموال وسبى الذريّة، فاجتمع رؤساؤهم: أَكثم بن صَيْفي الأُسيِّدي، وقيس بن عاصم المِنْقري، والزّبْرقان بن بدر السَّعدي وغيرهم، وقالوا: قد أَغْضبنا الملك، ولا نأمن ذِئاب العرب أن تتخطَّفنا، فماذا ترون؟ فمسح أكثم بن صيفي يده على صدره وقلبه وقال: إنِّي قد نَيَّفْت على التسعين، وإنَّما قلبي مُضْغةٌ من جَسدي، وقد نحل كما نحل جسدي، وأخاف أن لا يُدركَ ذهني الرأيَ لكم، فاعرضوا عليَّ آراءكم، فإني متى ما أسمع الحَزْمَ أعرفه، فقال النُّعمان بن جِساس: الرأي أن تنزلوا الكُلاب، وتنظروا في أمركم، ولا تخبروا أحداً بحالكم، فقال أكثم: هذا الرأي فاكْتُموه، وساروا إلى الكُلاب فنزلوه، وبين أدناه وأقصاه مسيرة يوم، [وأعلاه] ممَّا يلي اليمن، وأسفله ممَّا يلي العراق، فنزلت سعدٌ والرّباب بأعلى الوادي، ونزلت حَنْظلة بأسفله.

وكانوا لا يُغيرون في القَيْظ لبُعْد المسافات، وقِلّةِ المياه بها، وشِدَّة الحرّ، فأقاموا مكانهم، ولم يَعلم بهم أحد، فلما انقضى القَيْظ مَرَّ بهم رجل من هَجَر، فرأى الشاء والنَّعم، فرجع إلى ملوك هَجَر فقال: هل لكم في جارية عَذْراء، ومُهْرة سوداء (٣)، وبَكرةٍ حمراء ليس دونها مانع؟ قالوا: وكيف؟ قال: تميم بقِدَّة، مُطَرحين غارّين، فسار


(١) النقائض ٤٥٥، والعقد ٥/ ٢٢٣، والأغاني ١٢/ ٢١٢، والأنوار ١/ ٢١٦، والجعاسيس: جمع جُعسوس، القصير الدميم.
(٢) اللطيمة: القافلة التي تحمل البَزَّ والطيب. فقه اللغة ١/ ٤٩.
(٣) في "العقد" ٥/ ٢٢٥: شوهاء، وهي الطويلة الرائعة.