للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليهم أربعةُ أَملاك يُقال لهم: اليزيديّون، وهم: يزيد بن عبد المَدَان، ويزيد بن المأمور، ويزيد بن هَوْبر، ويزيد بن المُخَرّم، ومعهم عبد يغوث الحارثي، وساروا حتَّى إذا كانوا ببلاد باهِلَة، قال جَزْء بن جَزْء الباهلي لابنه: يا بُنيّ، هل لك في أُكرومة لا يُصاب مثلُها؟ قال: وما هي؟ قال: هذا الحي من تميم، قد لجأوا إلى هذا المكان خوفًا من العرب، وهذا الجيش يأخذهم، فارْكَبْ جملي الأَرْحَبيّ، وسِرْ سيراً رويداً، عُقْبَةً من الليل، ثم أَنِخْه وحُلَّ حَبْلَه، وتوسَّد ذِراعَه، فإذا سمعتَه قد أفاض بجِرَّته (١)، فشُدَّ حبلَه، ثم احْمِلْ السوط عليه، فإنَّك لا تسأله شيئًا من السير إلَّا أعطاكه، فحَذر القوم من الجيش، وكان جيشاً عظيماً، لم يجتمع مثله إلَّا في يوم ذي قار ويوم جَبَلة ويوم الحارث بن أبي شَمر الغَسَّاني، ففعل ابنه ما أمره، ووافاهم قُبَيْل الصُّبح، وصاح يا صباحاه، وحَذَّرهم الجيش، ودَهَمَهُمْ القَوْم، فساقوا النَّعَم، وإذا قد أقبل رجل منهم ينادي: واصباحاه، قالوا: ما الخبر؟ قال: أُتيَ على النَّعم، وكَرَّ راجعاً نحو الجيش، ولقيه عبدُ يَغُوث الحارثي فطعنه على رأس مَعِدِته، فسبق اللَّبَنُ الدمَ، ثم تقدم عبد يغُوث إلى الجيش وقال لهم: يا قوم أطيعوني، وامْضُوا بالنَّعَم، وخَلّوا عجائزَ تميم ساقطةً أفواههن، فقالوا: لا بُدَّ من نكاح بناتهن، فقال ضَمْرةَ بنُ لبيد المَذْحجيّ الكاهن: انظروا إذا سُقتم النَّعم، إنْ أتتْكُم الخيلُ عُصَباً -العصبة تنتظر الأخرى حتَّى تلتحق بها- فإن أمرهم هَيِّن، وإن لحقوكم فردُّوا النَّعمَ ولم ينتظر بعضُهم بعضاً، فإن الأمرَ شديد (٢).

وتقدمت سعد والرِّباب في أوائل الخيل، فالتَقَوا بالقوم ولم يلتفتوا إليهم، واستقبلوا النَّعم، ولم ينتظر بعضهم بعضاً، ورئيسُ الرباب النُّعمان بن جِساس (٣)، ورئيس سعد قيس بن عاصم، والتقى القومُ، فكان النّعمانُ أولَ قتيل؛ طعنه عبد يغوث الحارثي فقتله (٤)، وحَجَزَ بينهم الليلُ، وأصْبحوا على راياتهم، وتنادَوْا، واعْتَزَتْ كلُّ


(١) ما يخرجه البعير فيأكله ثانية، من الاجترار.
(٢) في العقد ٥/ ٢٢٦: وإن لحق بكم القوم ولم ينتظر بعضهم بعضاً حتَّى يردوا …
(٣) في (خ) و (ك): الحسان، وفي (ب): الجساس.
(٤) في النقائض ١٥١، والأغاني ١٦/ ٣٣١ أن الذي قتله عبد الله بن كعب من بني حنظلة، وفي الكامل لابن الأثير ١/ ٦٢٤ أن الذي قتله يزيد بن شداد الحارثي.